للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقالات معربة

حقيقة التفاوت

لماذا يجب على (إسرائيل) أن تمتلك أسلحة نووية؟

لويس رينيه بيريز

أستاذ العلوم السياسية جامعة بوردو أمريكا

الناشر: دورية براون جورنال تعريب المجموعة الإعلامية الدولي

(الولايات المتحدة)

- خاص بمجلة البيان -

(يلحظ القارئ الكريم أن هيئة الترجمة والإعداد قد أبقت على كثير من

الاصطلاحات والتعبيرات التي استخدمها كاتب المقال، كاستخدام كلمة (العدو)

للدلالة على البلدان الإسلامية، واستخدام كلمة (القدس) للتعبير عن (عاصمة الدولة

اليهودية) حيث يعتبر الكاتب كما ذكر في مقاله أن جعل (القدس) موضع تفاوض

على الطاولة الدبلوماسية هي (فكرة سخيفة) إلى غير ذلك من الاستخدامات

والصياغات التي تتلاعب بالحقائق لقلبها تمهيداً لتثبيتها حسب سياسة (الأمر الواقع)

تلك التي يتقن اليهود استخدامها) . ... ... ...

... ... ... ... ... ... ... ... - المجموعة الإعلامية -

رغم أن من الصعب تخيل الأسلحة النووية عدا كونها أدوات تدمير سيئة، إلا

أن هناك حالات يكون فيها امتلاك دولة ما لهذه الأسلحة حامياً لها من حرب فاجعة

أو حتى من خطر الإبادة، ويتبع ذلك أنه ليس ضرورياً أن تكون جميع الدول التي

تنتمي إلى النادي النووي مصدر تهديد؛ وإسرائيل هي حالة خاصة دفاعية متميزة

لا يمكن الاستغناء عنها للسلام والأمن العالميين.

وإسرائيل هي حالة خاصة في هذا المجال؛ إذ إن نزع قدراتها النووية التي لم

يُكشف عنها حتى الآن نتيجة ضغوط خارجية سوف يجعل الدولة اليهودية عرضة

للهجمات الساحقة والتي تعجز العبارات عن وصفها من قبل دول معادية معينة.

لقد قدّم الدكتور عبد المنعم سعيد علي مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية

والاستراتيجية في القاهرة وجهة نظر عربية مصرية فيما يتعلق بـ (القنابل النووية

الإسرائيلية) غير المعلن عنها في مقال له في عدد صيف خريف ١٩٩٦م من مجلة

براون للشؤون الدولية تحت عنوان: (في ظل القنابل النووية الإسرائيلية: إدراك

التهديد المصري) ، ويعترف المقال بإصرار دولته على الضغط على إسرائيل من

أجل التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية؛ إلا أنه يبدو أنه نسي أن

إسرائيل تصيغ سياساتها الاستراتيجية ضمن مجرى الأحداث ولا يتم خلق هذه

السياسات في فراغ جيوسياسي، إنه من السخف القول إن قيام دولة إسرائيل عام

١٩٤٨م (شكّل تهديداً أمنياً رئيساً لمصر) حتى اليوم وفي وجود سلام رسمي بين

مصر وإسرائيل، فإن الطرف المصري ضَمِنَ إبقاء هذا السلام عن طريق تسلح

مصري مستعد! .

ويخشى د. عبد المنعم سعيد من أن مصر مهددة من قِبَلِ إسرائيل؛ وذلك لأن

الدولة اليهودية تستمر في المحافظة على جناح يميني أصولي متعصب؛ إلا أن

الواقع يشهد أن حكومة نتنياهو رفضت إلغاء التنازلات المذلة لإسرائيل بشكل كبير

والمنصوص عليها في اتفاقيات أوسلو. وعلى الصعيد الآخر فإن القوى الأصولية

الإسلامية المتعصبة الحقيقية بإمكانها قلب حكومة مبارك في أي لحظة وإنهاء معاهدة

السلام المصرية الإسرائيلية وشن حرب عدوانية!

ويمكن للقارئ غير المطّلع أن يصل من خلال مقال عبد المنعم سعيد إلى

استنتاج مفاده أن تاريخ النزاع في الشرق الأوسط بعد ١٩٤٨م يعود للعدوانية

الإسرائيلية المستمرة، في حين أن الرئيس عبد الناصر في ذلك الوقت طلب

انسحاب الأمم المتحدة من سيناء تمهيداً للهجوم على إسرائيل، فضلاً عن احتشاد

الجنود والدبابات المصرية على الحدود، وصيحات راديو صوت العرب،

وتصريحات حافظ الأسد بأن القوات العربية جاهزة لاقتلاع إسرائيل، ومع ذلك فإن

الدكتور عبد المنعم سعيد يصر على أن لجوء إسرائيل لضربة وقائية دفاعاً عن

النفس عام ١٩٦٧م كان عملاً عدوانياً، ولا شك أنه لا توجد دولة في الشرق

الأوسط معرضة لحرب فاجعة كإسرائيل، ولذلك فحرمان إسرائيل من أسلحتها

النووية، يجعلها غير قادرة على تجاوز حرب أخرى.

إن إسرائيل تمتلك بالفعل تفوقاً نووياً في المنطقة، إلا أن هذا الوضع لا

يضمن على الإطلاق قوة متفوقة، وشاهد ذلك هو عجز إحدى القوى النووية

الرئيسة وهي الولايات المتحدة عن تحقيق التفوق ضد خصم من العالم الثالث وهو

فييتنام الشمالية: إن معضلة وجود إسرائيل عندما يتم النظر إلى صفاتها الرئيسة

هي ما يلي:

إن إسرائيل دولة صغيرة محاطة بدول معادية أكبر حجماً تزداد في التسلح

وهي تسعى للأمن من خلال إيجاد وسائل ردع معقولة، إن على القدس أن تخطط

مرة أخرى لأشكال مختلفة من التفوق العسكري الوقائي. إن الخيارات الأمنية

الإسرائيلية يمكن لها أن تتحسن في حال وجود آمال حقيقية لما يسمى: (عملية

السلام) لكن أيّاً من هذه الآمال ليس معقولاً في الوقت الراهن، واتفاقيات أوسلو مع

منظمة التحرير تبقى مضرة بالاحتياجات الأمنية لإسرائيل.

وإذا تساءلنا عن أنظمة الدفاع النشط كنظام آرو (السهم) المضاد للصواريخ

الباليستية الذي يشير إليه عبد المنعم سعيد: ألا يمكن لإسرائيل أن تتخلى عن

متطلباتها العسكرية الوقائية إذا تمكنت من نشر أنظمة دفاعية فعالة؟ إن العديد من

المشكلات تبرز في هذا المجال، أولها: أن نشر نظام السهم الدفاعي الإسرائيلي

يحتاج لأربع أو خمس سنوات. ثانيها أن رأساً واحداً نووياً أو آخر غير تقليدي لا

يتم اعتراضه بإمكانه إحداث دمار لا يمكن احتماله. إن الأنظمة الدفاعية النشطة

تتطلب قدرات قريبة من الكمال ولا يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع.

كيف يقترح عبد المنعم سعيد أن إسرائيل بإمكانها التعويض عن خسارتها

للعمق الاستراتيجي إذا أدت هذه الخسارة لقيام دولة فلسطينية؟ وهو ما يظهر أكيداً

الآن؛ فإن انتصار أعداء إسرائيل سيتم تقويته من قبل التصور العربي والإيراني،

وعند أخذ هذا التصور في الاعتبار فقد يصبح من الضروري على إسرائيل أن

تخرج قنابلها من (المخازن) لتحسين قدرة الردع، أو قد تظهر رغبة متزايدة في

البدء بضربات أولى ضد أهداف ثقيلة للعدو (!)

ولا شك أن بعض الدول العربية أو إيران ستقوم بالرد مما سيدفع للتوجه نحو

الخيار النووي بشكل علني، والقيام بالهجمات الأولى الوقائية، وعليه فإن نتائج

مسار أوسلو وهو ما يسمى: (عملية السلام) سوف يؤدي بالتأكيد إلى زيادة اعتماد

إسرائيل على الأسلحة النووية.

إن المشكلة لا تتمثل في أسلحة إسرائيل النووية، ولكن المشكلة الحقيقية هي

ذلك الجوار السيئ المسمى بالشرق الأوسط (!) وهي الالتزام العربي / الإيراني

باستئصال (السرطان اليهودي) . إن على الحكومة في القدس أن تدرك أن مسيرة

السلام هي مجرد طريقة مؤقتة للعدو، وحيلة مدبرة بشكل جيد من أجل التخلص من

إسرائيل.

إن الأسلحة النووية الإسرائيلية ضرورية لنجاة إسرائيل وكذلك لضمان

الاستقرار في المنطقة؛ فبدون وجود الأسلحة النووية فإنه حين تقوم القدس بشن

ضربات أولى وقائية غير نووية ضد أهداف عسكرية قد تهدد بالقضاء على إسرائيل

ستتسبب هذه الضربات الوقائية في بداية حرب واسعة، ولهذا السبب فإن أسلحة

إسرائيل النووية ستكون عائقاً أمام الاستخدام الفعلي لهذه الأسلحة وإشعال حرب

نووية إقليمية.

ولا يتفق عبد المنعم سعيد بالطبع مع ذلك، فهو يجادل أنه نتيجة للقدرة

النووية الإسرائيلية فإن على مصر البقاء معتمدة كلياً على النوايا الحسنة لإسرائيل،

ولكن لماذا؟ هل تسمح الأسلحة الإسرائيلية للقدس أن تطلب تنازلات سياسية أو

عسكرية من القاهرة؟ إن الإجابة بالطبع: لا، وهل يتوقع أن تقوم إسرائيل بهجوم

نووي من دون أي سبب أو أن تقوم إسرائيل بالتهديد بالبدء بحرب نووية؟

إن عبد المنعم سعيد يتجاهل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المصرية والعربية

التي بإمكانها أن تشكل عاملاً محبطاً فعالاً لأي رد إسرائيلي نووي، ولذلك فرغم أن

هناك احتكاراً نووياً إسرائيلياً (وهو احتكار مؤقت بشكل عارض) إلا أن هذا الردع

النووي يزداد عرضة لعدم الفعالية.

إن عبد المنعم سعيد يضع اللوم في الانتشار المتوقع للأسلحة النووية على

ضحاياها المحتملين، إن إسرائيل دولة لم تصدر أبداً تهديدات بالإبادة، ولم تطلق

هجمات صاروخية ضد تجمعات مدنية مثلما فعلت بعض الدول المجاورة!

ويدعي عبد المنعم سعيد أن إسرائيل قامت فعلياً بنشر بعض أسلحتها النووية

في أوقات الطوارئ القومية الخطرة، ورغم أنه ليس بإمكاني معرفة مدى صحة هذا

الادعاء وليس بإمكان البروفيسور عبد المنعم سعيد كذلك؛ فإن كل ما على العرب

القيام به من أجل تجنب استخدام إسرائيل للأسلحة النووية هو تجنب الاعتداء

بالأسلحة الكيماوية أو الهجمات التقليدية الشديدة ضد الدولة اليهودية.

وأخيراً نجد أن عبد المنعم سعيد يخطّئ إسرائيل (لرفضها المستمر منح

الفلسطينيين كيان دولتهم) وللإصرار العنيد على (احتلال الأراضي العربية بما فيها

القدس) إنه من السخرية أن يُظن أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد منحت

الشرعية لفكرة اعتبار يهودا والسامرة [١] (أراضي عربية محتلة) أو سمحت

بالفكرة السخيفة: أن القدس موضع تفاوض على الطاولة الدبلوماسية، وبدلاً من

الإصرار على عدم وضع القدس وهو إصرار ضروري للخلاص الوطني موضع

تفاوض فإن الحكومات الإسرائيلية قد استسلمت بشكل متواصل للمطالب العربية

التي ستؤدي إلى فناء إسرائيل.

إن لدى إسرائيل الكثير مما تخشاه، وعلى القدس أن تدرك أن تحويل يهودا

والسامرة إلى فلسطين لن يجلب الاستقرار للمنطقة بل سيوفر الوسائل والحوافز

لتدمير الدولة اليهودية نهائياً. إن حرمان إسرائيل من هوامش إقليمية أمنية يجعلها

عرضة وبشكل جدي لهزيمة كاملة. إن مسألة الدولة الفلسطينية قد يكون لها توابع

وجودية لدولة إسرائيل؛ إذ إنه في اللحظة التي يتم فيها قبول فلسطين؛ فإن هذا

الكيان الذي يشبه لبنان قد ينتهي بهرمجدّون [٢] ؛ وهو تحوّل ليس في صالح

الإسرائيليين والعرب على السواء في منطقة قابلة للانفجار بشكل دائم.

محاولة فهم الجدال:

لماذا تحتاج إسرائيل من وجهة نظر متعقلة للأسلحة النووية؟ نقدم فيما يلي

الإجابة: تحتاج إسرائيل للأسلحة النووية لأجل الأمور الآتية:

١- ردع هجمات تقليدية واسعة من قبل الدول المعادية.

٢- ردع جميع درجات الهجمات غير التقليدية (بيولوجية، كيماوية، ونووية) .

٣- استباق الهجمات النووية المعادية.

٤- دعم ضربات أولى وقائية تقليدية ضد الأسلحة النووية لدى العدو؛ إذ

يمكن التهديد باستخدام الأسلحة النووية رداً على انتقام محتمل.

٥- دعم ضربات أولى وقائية تقليدية ضد الأسلحة غير النووية لدى العدو؛

إذ يمكن التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد أي رد محتمل.

٦- خوض حرب نووية، ورغم أن هذا السيناريو غير ضروري، إلا أنه

يجب أخذه بكل جدية من المخططين وصانعي القرار الإسرائيليين.

٧- ممارسة (خيار شمشون) [٣] .

وبالرغم من النتائج الفاجعة إلا أن إسرائيل تدرك أنه من الأفضل (الموت مع

الفلسطينيين) بدلاً من الموت وحدها؛ غير أن إسرائيل وهي تلجأ للأسلحة النووية

على أنها حل أخير لن تختار (الانتحار) أو تقوم بالانتحار بالضرورة.

خيارات الردع:

إن فعالية الأسلحة النووية في تلبية هذه الاحتياجات الأمنية لإسرائيل محدودة

وذات إشكالية عظيمة. إنه ليس بإمكان إسرائيل الاعتماد بشكل معقول على الردع

النووي من أجل الخلاص.

إن على إسرائيل أن تقنع المهاجمين المحتملين بأنها محافظة على الرغبة

والقدرة في الانتقام باستخدام الأسلحة النووية. وعندما لا تكون الدول المعادية

مقتنعة بأحد أو كلا هذين العنصرين الضروريين للردع النووي، فإن تلك الدولة قد

تختار القيام بالضربة الأولى.

إن أي دراسة للردع النووي الإسرائيلي ستبقي ناقصة من دون التطرق إلى

موضوع (الكشف) عن هذه الأسلحة. فعلينا أن ندرك أن الكشف عن هذه الأسلحة

يهدف إلى رفع مستوى إدراك العدو بالقدرات النووية الإسرائيلية أو الرغبة

الإسرائيلية في استخدام هذه الأسلحة.

إن الفوائد العملية للكشف عن الأسلحة النووية تنبع من التدفق المتعمد

للمعلومات حول الانتشار والتضاعف، وتقوية وسرعة وسرية أنظمة هذه الأسلحة

وبعض خواصها التقنية؛ مما سيخدم هدف إزالة الشكوك لدى أعداء إسرائيل،

والتي إذا لم يتم تحديها، فإنها قد تضعضع الردع النووي الإسرائيلي. إن تحريك

القنبلة من مخازن إسرائيل سيزيل شكوك العدو حول رغبة القدس في تنفيذ تهديداتها

الانتقامية.

إن الكشف عن طبيعة الرد الإسرائيلي بشكل عام وغير مفصل قد يساهم في

الردع النووي الإسرائيلي إلى المدى الذي يوضح فيه الرد الإسرائيلي الاستراتيجي

أشكالاً مختلفة ومتدرجة من الثأر. إنه بغير هذا الكشف فإن الأعداء سيبقون

يخمنون ماهية الردود الإسرائيلية المحتملة، وهي حالة من الشك التي قد تخدم

الأمن الإسرائيلي لمدة أطول إلا أنها قد تخفق بشكل كامل في وقت آخر.

وفي كل الأحوال: فإن الأسلحة النووية هي عمل سيئ جوهرياً. إلا أن

إسرائيل لا تعيش في عالم مثالي؛ وذلك لأسباب ليست من صنعها؛ ولذلك فإن

عليها الاستمرار في الاعتماد على هذه الأسلحة من أجل تحقيق خيارات ردع

ضرورية، ومن أجل تحقيق خيارات وقائية، ومن أجل تحقيق خيارات الحرب

النووية وحتى من أجل تحقيق خيار شمشون؛ وهذا يعني أنه ليس بإمكان إسرائيل

أن تتفاوض حول أسلحتها النووية على شكل اتفاقات دولية خصوصاً في خضم ما

يسمى (عملية السلام) وما يرافقها من قيام دولة فلسطينية. وطالما أن إسرائيل

مجبرة على التحمل في ظل مخاطر تهدد وجودها، فإن على الأعداء الإقليميين

للدولة اليهودية أن يتحملوا وجود القنابل النووية الإسرائيلية.


(١) هذه هي التسمية اليهودية للضفة وقطاع غزة ... ... ... ... ... ... - البيان-.
(٢) هذا اسم الحرب النهائية بين اليهود وأعدائهم، كما جاء في كتبهم (المقدسة) ... - البيان -.
(٣) (خيار شمشون) اصطلاح عسكري إسرائيلي، يعني لجوء إسرائيل إلى التضحية بنفسها وبأعدائها عند تعرضها لخطر الزوال ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... - البيان -.