[قمة الانحطاط آخر صيحات الهذيان الأمريكي]
صالح عبد الله الجيتاوي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
لا يزال كفار أهل الكتاب، ومن شايعهم من المنافقين والمرتدين، في حيرة من أمر هذا الدين؛ فهم إذ يعجزون عن فهم خاصية البقاء والخلود والحفظ فيه؛ يظنون أنه قابل للتحويل والعبث والتحريف مثلما أحدث اليهود والنصارى في دينهم.
وفي محاولات أعداء الإسلام الدائبة لتغيير جوهره ومخبره، لم يُغفِلوا السعي أيضاً لتغيير اسمه ووصفه ومظهره. وهؤلاء الذين ارتابوا في دينهم، حتى لم يُبقوا فيه على شيء من الثوابت، أرادوا أن ينقلوا ريبتهم وشكَّهم إلى دين الإسلام؛ دين اليقين والحق المبين: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: ٨٩] ، وبدلاً من أن ينظروا فيه نظرة إنصاف وتعقُّل، لعلهم يتقون أو يُحدِث لهم ذكراً، نراهم في غيِّهم يترددون: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: ٥٥] . إنهم، من أجل أن يهيئوا الإسلام لإجراء عمليات التغيير والتحوير، يجردونه من كل أوصاف القدسية والتعظيم، عدا صفة واحدة يحافظون على وصفه بها تحايلاً ومكراً، وهي صفة (التسامح) ..!
ولأن الإسلام دين التسامح؛ فلا بد أن يتسامح مع كل وصف وكل صنف من الأفكار والأقوال والأفعال. أما الأقوال والأفعال فلا بد أن يتسامح الإسلام مع كل قول مهما كان منكراً، ومع كل فعل مهما كان شاذاً. وأما الأفكار؛ فالإسلام (المتسامح) كان مطلوباً منه أن يكون (سمحاً) حتى مع أفكار اليسار الشيوعية الملحدة؛ ليكوِّن معها هجيناً لعيناً اسمه (اليسار الإسلامي) ، وكذا لا بد أن تتسع سماحته اليوم لتتآخى مع رأسمالية الغرب الليبرالي الفاجرة، ليخرج علينا أقوام بمسمى (الإسلام الليبرالي) الذي يدعو إلى (الإسلام المدني الديمقراطي) أو (الإسلام العصري) .
كثيراً ما سمعنا في السنوات الأخيرة عن أُطروحات مثل (الإسلام الحضاري) .. (الإسلام التنويري) .. (الإسلام الإصلاحي) .. (الإسلام الوسطي) .. إلخ، ولكن أكثر ما يثير خليطاً من مشاعر الازدراء والغيظ والغثيان في آن، هو إطلاق الأمريكيين لما أسموه: تيار (الإسلام العلماني) !
إنها حقاً آخر صيحات هذيان الأمريكان.. إسلام علماني!
إننا نعلم أن العلمانية ترادف اللادينية؛ فهل يريد الأمريكيون إسلاماً لا دينياً..؟ نعم! وهل يمكن أن يجدوا من يوافقهم على هذا..؟ نعم!
لقد تبنّت جهات متنفذة في الإدارة الأمريكية الحالية الدعوةَ لعقد مؤتمر (قمة) بغرض (إصلاح) الإسلام وعلمنته! وإطلاق حركةٍ أو ثورة مشابهة لحركة (الإصلاح الديني) التي ثار فيها القس (مارتن لوثر) ضد الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، ليشقها وينشئ مذهباً جديداً أقرب لليهودية منه للنصرانية؛ وهو المذهب البروتستانتي. ويبدو أن هؤلاء المتنفذين في الإدارة المهزومة عسكرياً، يريدون إحراز اختراقات فكرية، وإنشاء (بروتستانتية إسلامية) تكون أيضاً أقرب لليهودية منها للإسلام، ويدل على ذلك أن تيار المحافظين الجُدد المشهور بغالبيته اليهودية، والشريك الحليف للإدارة اليمينية الإنجيلية، يمثِّلون الجهة التي تقف وراء عقد ذلك المؤتمر المشبوه.
لقد عُقد المؤتمر بالفعل في يومي ٥ ـ ٦ مارس/ آذار ٢٠٠٧م في مدينة بطرسبرج بولاية فلوريدا الأمريكية تحت اسم (القمة الإسلامية الإصلاحية) . أما هدفة المعلن فهو: (تفسير القرآن وصياغة الإسلام من منظور علماني) . وقد نظَّم المؤتمر وموَّله معهد (إنترابرايز) الذي يُعدّ معقلاً فكرياً لتيار المحافظين اليهود الجدد، بالاشتراك مع فرعه في أوروبا المعروف بـ (المعهد الأوروبي الديمقراطي) . أما الحضور فهم خليط من الطوائف الصهيونية الثلاثة: صهاينة اليهود، صهاينة النصارى، وصهاينة العرب، وبعض أولياء اليهود المتسمّين بأسماء المسلمين، وقد اعتبر هؤلاء أنهم يمثلون (القمة) التي ستتولى (إصلاح الإسلام) ، وتحويله إلى دين عقلانيٍّ يلائم العصر؛ عصر الأمركة أو المهلكة الأمريكية. فمن المضيفون والمستضافون في مؤتمر القمامة هذا؟
٣ حضر المؤتمر لفيف من عتاة رموز اليهود في تيار المحافظين الجدد، أبرزهم:
ـ (وليام كريستول) ابن (أرفنج كريستول) أبرز مؤسسي تيار المحافظين الجدد. أما ابنه وليام فهو المسؤول الحالي عن هذا التيار، وهو يشغل رئاسة تحرير مجلة (ويكلي ستاندرد) الأسبوعية، لسان حال تحالف المحافظين الجدد مع تيار اليمين النصراني الإنجيلي، والتي يمولها الإعلامي اليهودي (روبرت ميردوخ) .
ويعد وليام كريستول واضع السياسة التي أوصلت الجمهوريين إلى السيطرة على الكونجرس الأمريكي عام ١٩٩٤م، وأبرز المحرضين على غزو العراق، باعتباره المحطة الأهم في مشروع القرن الأمريكي، ويليه إيران.
ـ وشارك أيضاً (مايكل ليدين) أحد الأعضاء البارزين في المعهد اليهودي للأمن القومي، وأبرز ناشطي اللوبي الصهيوني (إيباك) ، وقد تولى منصب مستشار ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي، ويُنظر إليه على أنه مرجع دولي في شؤون الاستخبارات.
ـ وممن شاركوا في المؤتمر (فرانك جافني) وهو رمز آخر من رموز تيار المحافظين اليهود، وهو يشغل منصب رئيس مركز الدراسات الأمنية.
وهذه المشاركة الاستخباراتية في مؤتمر علمنة الإسلام، تُوِّجت بـ (قمة استخباراتية) شبه دولية، عُقدت على هامش المؤتمر المذكور، وكان الهدف المعلن منها: العمل على إنشاء تيارات مناهضة للإسلاميين من داخل البلاد الإسلامية، وهذه القمة هي القمة الاستخباراتية الثانية من نوعها التي ينظمها يهود أمريكا لذلك الغرض.
أما على الجانب الأوروبي فقد اشتركت في تنظيم المؤتمر (المؤسسة الأوروبية للديمقراطية) ؛ وهي الفرع النشط لعمل المحافظين الجدد في أوروبا.
أما (الممثِّلون) للعالمين العربي والإسلامي في تلك (الغُمَّة) فقد كانوا فريقاً متجانساً من المرتدين والزنادقة معلومي النفاق، ومنهم وعلى رأسهم:
ـ شاكر النابلسي: لسان حال ما يُعرف بتيار (الليبراليين الجدد) في العالم العربي، ذلك المناضل (الوقح) في محاربة الله ورسوله، والذي لم يترك نقيصة إلا ألصقها بالإسلام وأهله، وقد جاء مع من جاؤوا بزعم (تصحيح الإسلام) والترتيب لإصدار (تفسير علماني) للقرآن؛ حيث سوَّغ ذلك بأن أنواع التفاسير تعددت خلال التاريخ الإسلامي، ولا يوجد ما يمنع من وضع تفسير (لا ديني) أيضاً، تستخرج فيه دلالات النصوص القرآنية التي تحض على ضرورة فصل الدين عن الدولة!
وقد استغل (شاكر) ذلك المؤتمر للدعوة إلى مساندة من أسماهم بـ (دعاة الإسلام العصري) الذي يقوم على طرح واستبعاد تراث الفقهاء واستبداله بأقوال (العقلاء) ، موافقاً في ذلك زميله في الزيغ (جمال البنا) ! وكان النابلسي قد سبق المؤتمر أيضاً بإصدار كتاب عن (الليبرالية الجديدة) أورد فيه ما يراه من أوجه (التجديد) المتمثِّلة في تجريد الدين عن العقيدة والشريعة.
ـ واستضاف المؤتمر الكاتب الإيراني الأصل، المتقلب الأحوال والولاءات (أمير طاهري) وهو كاتب مكثر في جريدة الجيروزليم بوست الصهيونية، والشرق الأوسط اللندنية.
ـ ومِمَّن شاركوا في المؤتمر أيضاً المراسل الصحفي الأردني (سلامة نعمات) داعية ما يسمى بـ (ثقافة السلام) ، وكذلك (وليد فارسي) الباحث اللبناني، والعضو النشط في عدد من المؤسسات البحثية المشبوهة في أمريكا.
٣ وقد شارك في المؤتمر أيضاً عدد من النسوة اللاتي قَرَّضن أصابعهن من كثرة العض عليها؛ غيظاً من الإسلام، مع أنَّهنَّ يحملن أسماء إسلامية، ومن هؤلاء:
ـ امرأة متحولة إلى النصرانية، متعاطفة مع الصهيونية، تُجري بعض الفضائيات تلميعاً لها منذ فترة، واسمها (نوني درويش) ، وهي ابنة ضابط مخابرات مصري عمل في غزة أيام الإدارة المصرية لها قبل الاحتلال الإسرائيلي، وهي تتحدث علناً بأنها تفضِّل ارتياد الكنائس بعد أن كرهت المساجد، وقد أطلقت مشروعاً أسمته (عرب من أجل إسرائيل) تدعو فيه إلى إنصاف اليهود من ظلم العرب! وقد استضافتها قناة العربية لتشرح وجهة نظرها، وعندما سئلت: لماذا تركتِ الإسلام؟ قالت: «الإسلام هو الذي تركني» !
ـ استضاف المؤتمر أيضاً امرأة علمانية أخرى من سورية هي (وفاء سلطان) التي ظهرت منذ فترة على قناة الجزيرة في برنامج الاتجاه المعاكس، وقالت إنها لا تعتنق أي دين، ومع ذلك استضيفت في ذلك المؤتمر كي تشارك في (إصلاح الإسلام) .
ـ ومن النساء الداعيات إلى (إصلاح الإسلام) المرأة (إرشاد مانجي) ، التي ألّفت كتاباً بعنوان (المشكلة هي في الإسلام) ! وهي معروفة أيضاً بآرائها المعلنة في تشجيع حرية الشذوذ الجنسي.
ـ واستضاف المؤتمر أيضاً المرأة الإيرانية، الجامعة بين الأصول الرافضية والميول اليهودية (نبراس كاظمي) وهي إحدى الناشطات في مؤسسة (هدسن) الصهيونية التابعة للإنجيليين في أمريكا. وكذلك الناشطة الأمريكية من أصل إيراني (زاند بونازي) التي دعت إلى إيجاد حركة علمانية عالمية؛ لتشجيع فكرة (الإسلام العلماني) . وكذلك استضاف المؤتمر (مي أبو سنة) رئيسة قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية بجامعة عين شمس بمصر، المعروفة بآرائها المناهضة للدين.
وهكذا نجد أن المؤتمر قد جمع الشواذ فكرياً وأخلاقياً، مِمَّن وُصِفوا في المؤتمر بـ (المتحولين دينياً) !
فما الذي قرره هؤلاء (المتحولون دينياً) في اجتماعاتهم مع اليهود (المتجولين) للإفساد عالمياً؟
إن المؤتمرين المتآمرين خلصوا إلى نتائج حول فكرة (الإسلام العلماني) ، صاغوها في مقررات تحت اسم (إعلان بطرسبرج لإصلاح الإسلام) ، وأهمها:
١ ـ دعوة الحكومات في العالم الإسلامي إلى عدم التساهل في رفض فكرة تطبيق الشريعة؛ لأن ذلك أهم ما يناقض فكرة (الإسلام العلماني) . كما دعا هذه الحكومات إلى عدم تحريم الردة عن الإسلام؛ باعتبارها حرية شخصية.
٢ ـ دعوة تلك الحكومات إلى إلغاء (كل القيود) الاجتماعية المأخوذة من الشريعة الإسلامية، وإطلاق الحرية الجنسية، ومنع العقوبات على (جرائم الشرف) ، وترك الحرية الكاملة للمرأة في ارتداء ما تشاء من الملابس، وإقامة ما تشاء من العلاقات. وطالب الحكومات بشرعنة الزواج المدني الذي لا يتقيد بأي قيد ديني، وطالبها بالمساواة التامة بين الرجال والنساء في كافة المجالات.
٣ ـ دعا المؤتمر إلى توفير الحماية للشاذين جنسيّاً، وإعطائهم من الحقوق ما يُعطَى لكل أقلية، وشدد على تغيير مناهج التعليم بحيث تُلغى كل الفقرات التي تميز المسلم عن غير المسلم، وطالب بتضمين المناهج تقبيحاً لفكرة ربط الدين بالسياسة.
٤ ـ الدعوة إلى إطلاق وتشجيع حركة بحثية، أكاديمية وفكرية، تملك (الشجاعة) في نقد أصول الإسلام ومصادره المعرفية.
وفي سياق الهذيان المدفوع بالهيجان ضد الدين الحق، أصدر (معهد راند) التابع للمحافظين اليهود الجدد مؤخراً، تقريراً يقترح فيه الخطوات (الواجب) اتباعها؛ للوصول إلى (الإسلام المعتدل) . وقد حوى هذا العدد من مجلة البيان عرضاً لهذا التقرير، الذي يُعد تفصيلاً لخطة (علمنة الإسلام) .
الخلاصة من هذه المؤتمرات والقرارات هي إعادة تشكيل الفكر الإسلامي؛ ليقترب أو يتطابق مع الفكر العلماني من خلال تفسير القرآن والسنَّة من منظور العلمانية ليبقى ـ كما قال المفكر العلماني محمد أركون ـ فكراً يخرج من خصوصيته ليصبح ضمن إطار نزعة إنسانية شمولية؛ وذلك عندما سئل في حوار مع موقع (الزمان الجديد) : «كيف نصل إلى الإسلام العلماني؟) وهو ما يرشح الأجواء للمزيد مما أسماه الأمريكيون (حرب الأفكار) .
إن العلمانية كفر بواح كما أجمع علماء الأمة الأثبات، وكلما قصَّر الدعاة في تقرير ذلك ونشره، سيظل العلمانيون المارقون المتأمركون ينزون كل حين كالقردة، ليقولوا: تعالوا نصلح لكم إسلامكم.. ونفسر لكم قرآنكم! قائلين: {إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: ١١] فنحن الإصلاحيون الليبراليون المتنورون، وكذبوا: {أَلا إنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٢] .