للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موقف الصحافة الدولية

من أحداث الجزائر

رمضان بوشلوي

إن الموقف الذي وقفته الصحافة العربية من أحداث الجزائر كان موقفاً مخزياً

للغاية، وخاصة إذا قورن بموقف الصحافة الغربية، هذه الأخيرة التي ما كنا ننتظر

أن تكون موضوعية في تحليلاتها، وأمينة إلى حدٍ ما في نقل الأخبار، وهذا ليس

مدحاً لها، وإنما حقيقة تفرض نفسها.

وسأذكر بعض ما جاء في بعض هذه الصحف من تحاليل وأخبار وتعاليق:

كتبت صحيفة (Le Monde) الفرنسية في الصفحة الأولى من عددها

الصادر في ٦/١٠/٩١، مقالاً تحت عنوان: (فوز كبير للإسلاميين الجزائريين) .

ثم أردفته بمقال آخر على الصفحة الخامسة من نفس العدد تحت عنوان (الفوز الهام

للإسلاميين الجزائريين) . وكان مضمون المقال سرداً للأحداث، واعترافاً بفوز الإسلاميين، مع وصف الشيخين (علي بلحاج) و (عباسي مدني) بأنهما يتمتعان باستراتيجية قوية ورؤية عميقة للأوضاع.

ولنا هنا وقفة لابد منها:

ونحن نعرف تاريخ هذه الجريدة وحقدها الدفين على المسلمين، ولا يفوتني

هنا أن أشير إلى أن جُلَّ المسؤولين في الجزائر يقرؤون هذه الجريدة يومياً، وقد

أثرت عليهم تأثيراً بالغاً، حتى أصبحت تحدد تفكيرهم واتجاهاتهم، وأصبحت

عندهم من العدول الذين لا يقبلون الجرح.

ونفس العنوان تقريباً عنونت به جريدة (The Times) البريطانية مقالاً لها

بعد الأحداث؛ ومن الطريف كذلك ما ذكره مبعوث جريدة (Independent)

البريطانية بالجزائر في وصفه للذين استشهدوا خلال الأحداث فيقول: (they

died smiling) أي: (ماتوا مبتسمين) .

وهذا قليل من كثير، وإن كانت لهجة الصحافة الأجنبية قد تغيرت بعد فوز

الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات البلدية والولائية في شهر حزيران ١٩٩٠،

ولعلها ترى أنه ليس من المصلحة الاستراتيجية التعرض بلهجة طائشة لحزب قوي

الجزائر.

وأما الصحافة العربية (كعادتها) فقد حاولت منذ بداية الإضراب وصفه بأنه

فاشل، وأن الشعب لم يستجب لنداء الجبهة الإسلامية، بينما كان العكس هو

الحاصل، فقد ذكرت مجلة (الوطن العربي) (التي طلقت صدام حسين) في عددها

٢٢٠ الصادر في ٧/٦/٩١: أن الإضراب قد فشل فشلاً ذريعاً، وأن عباسي مدني

يقود الإسلاميين إلى الانتحار السياسي، وألقت بالمدح على الرئيس الشاذلي بن

جديد، ووصفته بأنه انتهج خطة طويلة النفس هزمت الإسلاميين! !

وهذا الكلام جاء ليؤكد حقد القوميين والعلمانيين وغيرهم من أذناب الغرب

على الإسلام والمسلمين.

وأكبر دليل على تهافت هذا الادعاء: نزول الجيش إلى الشوارع ليفض

الإضراب بقوة السلاح، وحل الوزارة، ووعود الدولة التي أطلقتها من أجل ضبط

الأمر، وعدم خروجها من أيديها.

وإن كان تشكيل الحكومة الجديدة هو: التأجيل والاستعداد لجولة أخرى، ولا

يفوتني هنا أن أشير إلى أن هذا القانون (قانون الانتخابات الجديد) كان لفرنسا يد

فيه (هذا للذين يقولون: إن الجزائر بلد مستقل) ، وأذهب إلى أبعد من ذلك، فأقول: أنه استُعمل علم الإحصاء (Statistics) وعلم الكمبيوتر لإعداد هذا القانون،

وذلك من خلال نتائج الانتخابات السابقة.

وخلاصة ما جاء في الصحافة العربية وخاصة الجرائد اليومية منها هو:

تجاهل للحقائق، وتحريف للواقع، وتحريض سافر مَرَّة ومبطن مرات للدولة من

أجل ضرب جبهة الإنقاذ الإسلامية، وتشويه سمعتها، بوصفها بأنها تهدد الأمن

والاستقرار، وأنها تهدد الديمقراطية، وأنه يجب ألا نقبل بديكتاتورية باسم الدين.

وبمحاولة خلق أكاذيب ونشر بعض الشائعات مفادها: أن هناك خلافات داخل

مجلس الشورى للجبهة، ووصف الشيخ علي بلحاج بأنه متشدد ومتطرف، وأن

الشيخ عباسي مدني معتدل، وذلك عملاً بسياسة (فرِّق تسُد) .

وأخطر تهمة هي ما جاء في جريدة (الحياة) نقلاً عن وكالة الأنباء الجزائرية

بأن الفرنسيين اللذين اعتقلا حيث وجد في حوزتهما أسلحة وخرائط، الخ.. كانت

لهما علاقة بالشيخين علي بلحاج وعباسي مدني، وأنهما أتيا للجزائر ليدافعا عن

إخوانهما، حيث أن أحدهما أعلن إسلامه! !