[من أجل الدين والأمة]
د. عبد الكريم بكار
يمكن القول إن العالم الغربي يقوم اليوم ببناء صورة ذهنية جديدة عن الإسلام والمسلمين، وهذه الصورة تميل إلى أن تكون سلبية في مجملها؛ حيث يترسخ في قناعات الغربيين يوماً بعد يوم أن المسلمين يحلّون مشكلاتهم عن طريق العنف، كما أن الإسلام نفسَه دينٌ يحثُّ على استخدام القوة ضد الخصوم والمناوئين، وتعاليمه توجِّه للتحيز ضد المرأة، وتحول بين المسلمين وبين التحديث والتطوير ...
وهم يستعينون على تشكيل تلك الصورة بثلاث وسائل:
١ ـ المناهج الدراسية والتي يطلّع عليها عشرات الملايين من الأطفال والشباب في الغرب، وتُتلقّى على أنها شيء عالي المصداقية.
٢ ـ الإعلام بآلياته الرهيبة، والتي توّجت أخيراً بالبثَّ الفضائي والإنترنت.
٣ ـ الواقع السيِّئ ـ في معظم المجالات ـ لأمة الإسلام، والسلوك غير المشرِّف لكثير من المسلمين في الغرب؛ حيث إن المعنى المستبطَن لدى كثير من الغربيين هو: أن الإسلام لو كان يشكل حبل الإنقاذ، أو سفينة النجاة لصلح به حال أهله.
بعد أحداث (الحادي عشر من سبتمبر) استيقظ الوعي الشعبي الغربي على الإسلام بوصفه شيئاً موجوداً بقوة، ويمكن أن يؤثر في إعادة ترتيب أوضاع العالم، وإعادة توجيه قواه الضاربة؛ ونتيجة لذلك الاستيقاظ زاد عدد الداخلين أسبوعياً في الإسلام؛ حيث يتجاوز في أمريكا ـ مثلاً ـ الألف شخص. وفي الوقت نفسه زاد عدد المناوئين للإسلام والباحثين عن الثغرات في حياة المسلمين، حيث لا يمضي أسبوع إلا ويُطرح في الأسواق الغربية ثلاثة أو أربعة كتب تتناول بعض القضايا والشؤون الإسلامية والعربية على نحو سلبي، والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً: ما العمل؟
حين تتضح الرؤية، ويتم إدراك موطن الداء ونوع التحدي على نحو صحيح؛ فإنه يمكن عمل الكثير، ولعلّ من الكثير الذي ينبغي عمله إقامة تحالف إسلامي عالمي يكون له هدف واحد، هو إقامة معارض ثابتة ومتنقلة تستهدف تعريف الشعوب كافة ـ والغربية خاصة ـ على الإسلام وحضارته والجوانب المشرقة من تاريخ الأمة وواقعها ... إن المعارض تتحدث دائماً عن منجزات ووقائع ومعطيات، ومن ثم فإن مصداقيتها تكون أقوى، والناس اليوم يحبون أن يروا شيئاً بعد أن سمعوا الكثير، فعلينا أن نساعدهم على رؤية تجسيدات عملية لبعض ما نتحدث عنه. ومما يمكن عرضه في تلك المعارض:
١ ـ مخطوطات ووثائق تعكس الجانب الخلقي في الإسلام ولا سيما الأخلاق التي تتصل بالعلاقات الدولية والتي تتصل بالمعاملات التجارية. ومن المهم دائماً عدم الاقتصار على الجانب التنظيري، والتركيز على الوثائق والمخطوطات التي تعكس الواقع والأحداث التاريخية على ما هي عليه؛ لأن المطلوب هو الحديث عمَّا وقع وحدث، وليس عمَّا يمكن أن يحدث، أو ينبغي أن يحدث.
٢ ـ عرض صور مع شرحها عن الأربطة والأوقاف الإسلامية، والتي تعكس الجانب الخيري لدى الأمة، وتوضيح الدور الذي قام به الوقف الإسلامي في حل مشكلات الناس ومساعدتهم على الاستمرار.
٣ ـ عرض صور ووثائق تحكي التاريخ العلمي للمسلمين، والتركيز على دور الكتاتيب والمدارس والمكتبات في تثقيف الناس، ودور الشعب والجمهور في دعمها.
٤ ـ عرض الأدوات الطبية والفلكية ... التي صنعها المسلمون الأوائل، وعرض صور لغير المتوفر منها، وتوضيح دورها في مساعدة العالم على التغلّب على الأمراض، ودورها في التقدم العلمي العالمي.
٥ ـ التعريف بالجانب الأسري من الحياة الإسلامية، وعرض الأحكام والأعراف والتقاليد التي تتصل بالحياة الأسرية وما فيها من دفء ورحمة وتضحية إلى جانب عرض صور من الواقع الإسلامي في برِّ الوالدين وصلة الأرحام.
٦ ـ عرض لتجارب الأعلام الذين أسلموا حديثاً من السفراء وأساتذة الجامعات والأطباء والفنانين وغيرهم، وشرح التغيرات الإيجابية التي طرأت على حياتهم بعد دخولهم في الإسلام، ويُفضَّل أن يقوم أولئك الأشخاص بشرح ذلك بأنفسهم في محاضرات وندوات تقام على هامش المعارض.
٧ ـ توضيح الرؤية العامة للإسلام في القضايا التي تثير الجدل في العالم اليوم، مثل: الديموقراطية، وحقوق المرأة، والعولمة، وتلوّث البيئة، والإرهاب، وما شاكل ذلك.
٨ ـ إبراز دمج الإسلام للنشاط البشري سواء أكان تعبّدياً أو دنيوياً في سياق واحد من خلال النية، ومن خلال الالتزام بالإطار الشرعي.
من المهمّ دائماً عرض كل ذلك بأمانة وموضوعية ودقّة وتواضع، ومن المهم كذلك أن يتولى المسلمون من أهل البلد الذي يُقام فيه المعرض التقديم والعرض والشرح.
والبداية في تأسيس هذا التحالف تكون بإقامة عدد من المؤتمرات والندوات وورش العمل التي تهتم ببلورة هذا المشروع الإسلامي الكبير، وأنا على ثقة بأننا قادورن من فعل ذلك بكفاءة وجدارة، وأن النتائج التي سنحصل عليها ستكون أكبر مما نظن، لكن بشرط أن نمتلك ما يكفي من الإخلاص والهمة والاهتمام.
وعلى الله قصد السبيل.