رسالة إلى
جبهة الإنقاذ الإسلامية
ببالغ الفرحة والسرور تلقينا خبر نجاحكم في الدورة الأولى للانتخابات
الجزائرية والتي خرجت بنتائج باهرة أفرحت كل مسلم يحمل هم الإسلام في قلبه.
وأغاظت كل عدو وحاقد ومنافق لايريد لكلمة الحق أن ترتفع، ولا لأصحابها أن
يعلو شأنهم تماماً كما وصفهم الله عز وجل: [إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وإن
تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا] [آل عمران ١٢٠] .
ونحن - علم الله - فرحنا بفوزكم الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن
الشعوب المسلمة التي ذاقت الذل تحت نير المناهج الأرضية تشتاق إلى التحرر من
نير العبودية للمناهج والأنظمة الوضعية الدخيلة، إنه الظمأ إلى جرعة من النبع
السلسبيل بعد أن أفسد الملح الأجاج حياتنا.
إن انتصاركم - أيها الأحبة - عزاءٌ لنا في هذا الزمن.. زمن الهزائم
المتكررة والاستسلامات المتتابعة.
لا يغرٌنكم ما صنعوه وما سيصنعوه ليفسدوا عليكم هذا الانتصار الرائع فأنتم
الأعلون إن كنتم مؤمنين.
أيها الإخوة: لقد ساءنا هذا النفاق العالمي الذي يكيل الأمور بمكيالين، فمن
حق شعوب العالم قاطبة أن تختار المنهج الذي تريد والقائد الذي تريد. أما الشعوب
المسلمة فهي شعوب فسدت أذواقها. فلم تبلغ بعد سن الرشد لتختار من تريد.
أيها الإخوة: لقد ساءنا هذا التضامن الإقليمي الذي لم يفلح قط إلا في محاربة
الحركات الإسلامية الأصيلة التي تريد العودة بالأمة إلى عزتها واستقلالها.
إن هؤلاء العملاء المحليين يرفضونكم ويرفضون أمثالكم. وهم في المقابل
يدخلون اليهود في نسيجنا السياسي والثقافي. فقبح الله قوماً جعلوا اليهود أصدقاء
وجعلوا الدعاة والمخلصين أعداء يحرصون على إيذائهم وإخفات صوتهم بكل سبيل. مرة أخرى أيها الأحبة: لا يغرنكم ما صنعوه وما سيصنعونه ليفسدوا عليكم هذا
الانتصار الكبير فأنتم الأعلون إن شاء الله.
أيها الإخوة: نحمد الله أن عاد للجماهير وعيها فاختارت الإسلام ليكون هو
الحل والمنهج، لقد قدمتم للدعاة نموذجاً متقدماً من نماذج العمل الإسلامي
الجماهيري، ولكن الجماهير وحدها لا تصنع نصراً، إننا نطمح بعد نجاحكم في
العمل الجماهيري، أن تقدموا لنا نجاحاً آخر في مجال بناء القاعدة الصلبة وإعداد
الكوادر المؤهلة.
إن العمل الإسلامي على مستوى الأمة - والجزائر جزء منه - بحاجة إلى قلة
تنقذ الموقف. بحاجة إلى رجال متجردين ينبرون لعملية الإصلاح السياسي
والاقتصادي والإعلامي وقبل ذلك الإصلاح الديني العقدي.
هؤلاء هم الذين سيقومون بتربية الجماهير ونشر العلم الشرعي بينها، حتى
يصبح الإسلام مطلباً شعبياً ملحاً تغضب من أجله الجماهير أكثر من غضبها
لمطالبها اليومية.
إن هذه الجموع المباركة التي تربت على يد القاعدة الصلبة لن تقف في وجهها
ألاعيب الساسة العلمانيين، ولن يرهبها سيف الجيش المسلط، كما لن تغريها
الوعود بالرخاء والرفاهية.
أيها الإخوة: إن حجماً هائلاً من الكيد العالمي والمحلي يكيد لكم ولأمثالكم من
الدعاة المخلصين، وأحياناً ينسينا التأييد الشعبي المكثف حجم هذا الكيد فيظن الظان
أننا قاب قوسين من قطف الثمار.
أيها الإخوة: نطالبكم بألا تدعوا أعداءنا وأعداءكم يستجرونكم إلى معركة لم
تحددوا مكانها ولا حجمها ولا أدواتها. وكما أن البذرة لا تصبح ثمرة يانعة بين
عشية وضحاها - وأنتم أدرى بذلك - في أرض الزيتون والعنب، فكذلك الدعوات
بحاجة إلى التعهد والرعاية والبناء حتى يصلب العود ويخرج شطأه ويستغلظ.
أيها الإخوة: لا تظنوا أنكم تقفون في أرض الجزائر بمفردكم، فهناك الألوف
والألوف من إخوانكم في شتى بقاع العالم يرقبونكم ويعيشون معكم بقلوبهم، إن
الروح الإسلامية باقية وإن ظنوا أنها قد أخمدت عندما هدمت الخلافة، ومزق
الاستعمار أراضينا إلى دويلات صغيرة هزيلة.
هذه الروح الإسلامية هي التي تجعل الهندي المسلم يفرح بفوز الجزائري
المسلم، وهي الروح التي جمعت المسلمين على شتى لغاتهم وأعراقهم في أرض
أفغانستان المسلمة. لذلك - أيها الأحبة - حافظوا على هذه التجربة الناجحة وخذوا
بأسباب النصر الشرعية التي ذكرها الله في كتابه، فنجاحكم سيكون نموذجاً لغيركم، وبداية لحقبة جديدة في تاريخ المسلمين المعاصر.
واختم رسالتي هذه بدعوة إلى الدعاة إلى الإسلام في الجزائر من خارج الجبهة
فأقول لهم:
- إن العدو لا يفرق بين معتدل ومتطرف، فالجميع أصوليون تجب محاربتهم
والقضاء عليهم.
أيها الإخوة: ما أحوجكم إلى الاتحاد والتعاون ونبذ الفرقة والاختلاف كما قاله
تعالى: [ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمُ البَيِّنَاتُ وأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ] [آل عمران ١٠٥] .
[ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ]
[الأنفال ١٤٦] .
إن الخلاف شر وخصوصاً في مثل هذه الظروف العصيبة من تاريخ المسلمين، وتاريخ الجزائر على وجه الخصوص. وهذه الظروف تحتم التعاون مع إخوانكم
في الجبهة ومساعدتهم، وأن لا تكونوا سهماً في كنانة العلمانيين الذين بدت البغضاء
من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر؛ يستخدمونه ضد كل من يلتف المسلمون
الصادقون حوله، وأختم رسالتي بآية عطرة من كتاب الله الكريم: [لَتُبْلَوُنَّ فِي
أَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ومِنَ الَذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى
كَثِيراً وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] [آل عمران ١٨٦] .