يف سيصبح العالم عام ٢٠٢٠م؟ هذا سؤال يشغل بال الكثيرين في العالم الغربي، ومن أجله تُؤلف الكتب وتُكتب الدراسات وتُعقد المؤتمرات، ولكن في عالمنا العربي لا يبدو أن هذا السؤال يسبب أي نوع من القلق؛ فالزمان ممتد أمام العرب وهم يكادون ألاَّ يعرفوا ما حدث في أمسهم ويلاحقوا ما يحدث في يومهم؛ فأيَُ مجال للغد وسط هذا الزحام؟ فضلا عن أن يكون هذا الغد بعيداً ١٥ عاماً.
وهذا السؤال: كيف سيصبح العالم عام ٢٠٢٠م؟ هو بالتحديد عنوان كتاب صدر مؤخراً من تأليف عدد كبير من الباحثين والمختصين في علم المستقبليات في الولايات المتحدة، وتبنى المجلس القومي للاستخبارات هذا الكتاب ورشحه للمخابرات المركزية والبيت الأبيض [لشرق الأوسط، ٢/١١/٢٠٠٥م] وقدم الكتاب أربع سيناريوهات للعالم بعد ١٥ عشر عاماً، أحدها يتوقع تأسيس خلافة إسلامية تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا، ولا أدري من أين جاء جهابذة الكتاب بهذا السيناريو، هذا التوقع أثار إعجاب جورج بوش وأعلنه على الملأ على سبيل التحذير والتهديد.
ويعيد الكتاب في واقع الأمر بسيناريوهاته الباقية طرح إشكالية الدراسات المستقبلية الأمريكية، والتي تمارس نوعاً من التنبؤ يبدو في ظاهره معتمداً على المنهج العلمي الرصين، ولكنه في حقيقته لا يتجاوز قواعد قراءة الكف؛ فالكتاب يطرح بالإضافة إلى الخلافة سيناريو آخر مكفهر الرُّؤى بالإرهاب ـ الإسلامي بالطبع ـ أما الثالث والرابع فيتضمنان نهاية سعيدة على النمط الغربي، في أحدهما تسود العولمة، وفي الآخر تسود الأمركة.
إن الدراسات المستقبلية الأمريكية لا تهدف في أحيان كثيرة إلى تقديم ملامح للمستقبل، بل تستخدم في واقع الأمر كوسيلة للتأثير في الواقع عن طريق فرض تصورات أو مسارات حتمية للمستقبل في الأذهان، ويعتمد ذلك على القول بأن أي فكرة جديدة منتظمة يتم طرحها من قِبَل جهة مؤثرة في واقع مضطرب ومشرذم كالواقع الإسلامي فإنها تكون قادرة على إعادة تنظيم الرؤى والتصورات والأفكار الأخرى في سياق يتلاءم معها، وتصبح مسألة الرفض أو القبول عديمة التأثير في هذا المجال.
وجانب كبير من الدراسات أو نتائج الدراسات المستقبلية التي تُنشر من قِبَل مراكز بحثية تنتمي إلى الولايات المتحدة يكون هدفها الترويج لتصورات محددة؛ فهي في الأصل مخطّطات وليست دراسات مستقبلية، والأمر المثير للشفقة والحنق أن أغلب الباحثين العرب يقومون بإعادة إنتاج هذه التصورات وتقديمها في قالب عربي يساهم في ترسيخ الرؤية الأمريكية للمستقبل في عالمنا.
إن مقاطعة الكوكاكولا الأمريكية قد تبدو أمراً جيداً، ولكن مقاطعة الأفكار الأمريكية التي تتسرب من ثقوب تناثرت في العقل العربي أكثر أهمية ولا شك؛ إنها حرب أفكار كما أكد وزير الدفاع الأمريكي