البيان الأدبي
مسرحية
[البحث عن المعتصم]
محمد علي البدوي
(المنظر)
مغارة كبيرة في مدخل كهف مظلم.
(المشهد)
يدخل قائد القافلة البشرية الصغيرة، والمكونة من مجموعة من النساء
والأطفال والشيوخ، وسط أصوات متقطعة من دوي المدافع وطلقات الرصاص
وأزيز الطائرات.. يتوقف أمام فوهة المغارة المظلمة.
القائد (يشير إلى قافلته) : هنا.. توقفوا ... سنبيت الليلة هنا (يتجول
داخل المغارة) . تبدو المغارة خالية تماماً.. تبدو هكذا!
(فجأة تبدأ الإنارة)
(المشهد)
مجموعة من النساء والأطفال والشيوخ وقد تحلقوا داخل المغارة، وأخذوا في
البكاء والعويل، وقد ظهر في خلفية المسرح مناظر مروعة لمآسي المسلمين وقد
كتب عليها بلون الدماء « ... وا.. إسلاماه» .
القائد (وقد أخذته الدهشة) : مسلمون؟
(صمت يلف المكان)
القائد (صارخاً فيهم) : أجيبوا.. هل أنتم مسلمون؟ .. هل أنتم مسلمون؟
(يخرج إليه شيخ عجوز.. ويقف قبالة الجمهور)
الشيخ: ومن القوم إلا هم؟!
القائد: ومن أين جئتم؟
الشيخ (وهو يشير إلى مجموعته) : من كل بقاع الأرض.. من البوسنة..
وكوسوفا.. والصومال.. وكشمير.. وأفغانستان.. والصين والفلبين..
والشيشان.. حتى من بلاد الإسلام.
القائد (وقد أطرق إلى الأرض) : إذن.. هي الحروب والمجاعة!
الشيخ (في حدّة) : ليست الحروب وحدها التي صنعت مأساتنا.
القائد: ماذا تعني؟
الشيخ: إخواننا.. خذلونا.. أسلمونا للأعداء.. لاذوا بالصمت وهم
يشاهدون مأساتنا.. لم يتحركوا من أجلنا.
القائد: و.. ولكنهم يساعدوننا.. يقدمون لنا الطعام.. والكساء..!
الشيخ (مقاطعاً) : يسمِّنوننا.. حتى نُذبح كالأضاحي.
القائد: لـ.. لـ.. لقد سمعت أنهم الآن يجتمعون لنصرة قضايانا.
الشيخ (في حدة) : بالكلام.. يجتمعون حول موائد الكلام.. اسمع.. اسمع
بربك ماذا يصدرون في مؤتمراتهم ومؤامراتهم.
(صمت)
صوت خارجي: إننا ندين ونشجب ونستنكر بشدة العدوان الصارخ ضد
إخواننا المسلمين.. ونطالب الأمن الدولي بسرعة التدخل من أجل إنقاذهم ...
(تصفيق حاد يملأ المسرح)
الشيخ: أسمعت لقد تمخض الجبل فولد فأرة.. إنهم يطلبون النصرة من
أعدائنا، يطلبون لنا الرحمة من جلادينا!
القائد: و.. و.. وماذا نريد منهم؟
الشيخ: أليسوا إخواننا في الدين والعقيدة؟! أما تداعى النصارى لنصرة
إخوانهم في تيمور الشرقية.. وفي جورجيا.. حتى أقاموا لهم دولة؟!
القائد: نعم.. ولكن..
الشيخ: ولكنه الوهن الذي ضرب قلوبهم.. حب الدنيا وكراهية الموت. لنا
الله.. لنا الله..!
(تبدأ المجموعة بالتحرك خلف الشيخ الذي يهم بالمغادرة
وهم يرددون: لنا الله.. لنا الله..!)
القائد (مستوقفاً الشيخ) : إلى أين أيها الشيخ؟
الشيخ: لقد سمعنا أن قائداً عربياً مسلماً اسمه المعتصم أنقذ امرأة مسلمة
سنذهب إليه.. ربما أنقذنا.
القائد: آه.. لقد مات منذ زمن..
الشيخ: لا بأس.. سنجد معتصماً آخر.. في رعاية الله يا بني!
(يغادر الشيخ مع مجموعته وهم يرددون:
لنا الله.. لنا الله.. بينما يقف القائد مذهولاً)
القائد (في نفسه) : لنا الله.. لنا الله!
(يدخل أحد رجال القافلة مسرعاً)
الرجل (في ذعر) : سيدي.. سيدي.. الأعداء قادمون.. إنهم يضربون
الكهف بطياراتهم يلقون بالقنابل المحرمة.. يحرقون الأرض الخضراء.. يزرعون
الموت في كل مكان.. إنهم قادمون.. قادمون..
القائد: بسرعة هيا.. اهربوا.. بسرعة..!
الرجل: إلى أين يا سيدي؟
القائد: سنبحث عن معتصم آخر.. هيا بسرعة.. بسرعة..
(يرتفع صوت الطائرات.. ودوي المدافع والقنابل..
تنتهي الإنارة.. تختلط الآهات بالصرخات)
تغلق الستارة