للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمر المختار في ذكرى استشهاده

حسن علي أحمد

في السادس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) عام١٩٣١ اعتلى البطل عمر

المختار - وقد جاوز السبعين من عمره - أعواد المشنقة بعد جهاد طويل دام قرابة

الثلاثين عاماً، حارب فيها الفرنسيين في مملكة كانم وواداي في نيجيريا والسودان، وعمل على نشر الإسلام في تلك البلاد ما شاء الله له، ثم عاد ليحارب الإنجليز

في مصر، وليقضي بقية عمره بعد ذلك في قتال الإيطاليين الذين جاءوا مستكبرين

محتلين لبلاده ومغتصبين لأرضه، فكانت له وقائع مشهودة ومواقف محمودة،

وأبلى في الجهاد بمن معه من المؤمنين الصادقين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين

كله لله -جل وعلا-.

قالت عنه صحيفة التايمز البريطانية في مقال نشرته في اليوم التالي لإعدامه

تحت عنوان (نصر إيطالي) : (حقق الإيطاليون انتصاراً خطيراً ونجاحاً حاسماً

في حملتهم على المتمردين السنوسيين في برقة، فقد أسروا وأعدموا الرجل الرهيب

عمر المختار شيخ القبيلة العنيف الضاري ... ) ، ثم تستمر الصحيفة حتى تقول:

(ومن المحتمل جداً أن مصيره سيشل مقاومة بقية الثوار، والمختار الذي لم يقبل أي

منحة مالية من إيطاليا، وأنفق كل ما عنده في سبيل الجهاد وعاش على ما كان

يقدمه له أتباعه، واعتبر الاتفاقيات مع الكفار مجرد قصاصات ورق، كان محل

إعجاب لحماسته وإخلاصه الديني، كما كان مرموقاً لشجاعته وإقدامه) .

ونحن نقول:

ومليحة شهدت لها ضراتها ... والفضل ما شهدت به الأعداء

لقد كانت حياة المختار مكرسة كلها للعلم والدعوة والجهاد؛ طلب العلم في

الزوايا التي أنشأتها الحركة السنوسية، ثم كان أحد روادها في الدعوة وتربية الناس، حتى نادى منادي الجهاد فقضى بقية عمره معتلياً صهوة جواده، ممسكاً بسلاحه،

لم يهادن أبداً، ولم يستسلم لعدوه، بل قارعه مقارعة الند للند، رغم قلة الإمكانات

ورغم عدم التكافؤ في العدد والعدة، ولكنه استعلاء الإيمان وقوة اليقين، الذي ازداد

صلابة وعمقاً في ميادين الجهاد وساحات المعارك، إن جهاد المختار سيظل معلماً

بارزاً في تاريخ ليبيا وتاريخ الأمة الإسلامية كلها وسيظل دليلاً على أن الإسلام

صنع - ولا يزال- نماذج عظيمة من البطولات على مر العصور، وعلى أن

العطاء الحقيقي إنما هو عطاء الإيمان.

وفاءً ببعض حق عمر المختار علينا: نقف معه هذه الوقفة القصيرة، نستذكر

فيها أحد الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وثبتوا على الحق الذي آمنوا له،

نستعرض فيها شيئاً من حياته، والعوامل التي جعلت منه بطلاً شجاعاً غير هياب

ولا وَجِل، جاهد -رحمه الله -إعلاءً للحق وأهله وإزراءً للباطل وأتباعه، حياة هذا

المجاهد تستحق الدراسة والاعتبار، فدروس التاريخ هي أبلغ الدروس، والجيل

الذي لا يتعلم من تلك الدروس ولا يستفيد ممن سبقوه لا يمكن له أن يقود حركة

التاريخ قيادة صحيحة، ولا أن يحقق أهدافه المنشودة.

ولد البطل عمر المختار بن عمر المنفي في منطقة البطنان من برقة عام

(١٢٧٧هـ) ١٨٥٨م، ويرجع نسبه إلى بيت فرحان من قبيلة المنفة. وكانت نشأته في بيت عز وكرم، تحيط به شهامة العرب وحرية البادية، طلب العلم في زاوية

جنزور، ثم انتقل إلى زاوية الجغبوب التي كانت مركز قيادة الحركة السنوسية

آنذاك، حيث أتيحت له الفرصة أن يتلقى العلم على يدي بعض المشايخ الذين كان

لهم دور رئيسي في نشر الدعوة الإسلامية، أمثال: السيد الزروالي المغربي

الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبد الله الظاهري المدني، وقد ظهرت عليه

علامات النباهة ورجاحة العقل منذ الصغر، وظل محل إعجاب وثناء كل من عرفه، حتى لقي ربه -عز وجل- مقبلاً غير مدبر، فكان ذلك أكبر دليل على صدقه في

التعامل مع الناس وفي إقباله على الله.

وبعد فترة قصيرة عينه السيد المهدي السنوسي شيخاً على زاوية القصور في

الجبل الأخضر فقام بأعباء المهمة خير قيام، من تعليم الناس أمور دينهم إلى فض

المنازعات بين القبائل والسعي في مصالحهم وجمع كلمتهم، وسار في الناس سيرة

غبطه عليها العقلاء وزادت من مهابته عند غيرهم، ومما تجدر الإشارة إليه هنا:

أن اختياره للقيام على أمور هذه الزاوية كان مقصوداً من قبل المهدي السنوسي،

حيث إن هذه الزاوية كانت في أرض قبيلة العبيد التي عرفت بشدة الشكيمة

وصعوبة المراس، فوفقه الله في سياسة هذه القبيلة، ونجح في ترويضها بما أودع

فيه من صفات القيادة والحكمة.

ثم كلف بأمر الجهاد في واداي، فقارع الاستعمار الفرنسي الذي كان قد بدأ

زحفه إلى وسط أفريقيا، فبذل الوسع حتى لفت الأنظار عزمه وحزمه وفراسته،

قال عنه المهدي السنوسي: (لو كانت لدينا عشرة مثل المختار لاكتفينا) وبقي في

واداي يعمل على نشر الإسلام ودعوة الناس وتربيتهم إلى جانب قتال الفرنسيين

وحماية بلاد المسلمين، وكانت المناطق التي يتولى المختار قيادتها وحراستها أمنع

من جبهة الأسد، ولا يخفى ما في ذلك من إدراك القيادي المسلم لواجبه تجاه دينه

ووطنه.

وفي عام ١٩٠٦م: رجع إلى الجبل الأخضر ليستأنف عمله في زاوية

القصور، ولكن ذلك لم يكن يستمر طويلاً، فقد كانت المعارك قد بدأت بين الحركة

السنوسية والبريطانيين في منطقة البردي ومساعد والسلوم على الحدود الليبية

المصرية، ولقد شهد عام ١٩٠٨ أشد المعارك ضراوة والتي انتهت بضم منطقة

السلوم إلى الأراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدولة العثمانية، وعاد

الشيخ إلى زاوية القصور يدير شئونها مرة أخرى، حتى امتدت يد الفاشست الآثمة

إلى التراب الليبي، وهب المختار كعادته ليكون في طليعة من لبى نداء الجهاد،

وهب ليقود حركة وقفت في مواجهة الغزاة عشرين عاماً، سطّر فيها المختار ومن

معه من المجاهدين الأبطال ملاحم أسطورية تحدث عن عظمها وقوتها الأعداء قبل

الأصدقاء؛ ولقد ذكر الجنرال رودلفو جراستياني في كتابه الذي سماه (برقة الهادئة)

يقصد أنها هادئة بعد إعدام المختار والقضاء على حركة الجهاد فيها: إنه نشبت

بينه وبين المختار ٢٦٣ معركة ومواجهة في مدة عشرين شهراً فقط، فأعْظم به من

بطل، وأَكرم به من شهيد.

وفي عام ١٩٢٣: أُسندت إليه النيابة العامة للحركة السنوسية وقيادة الجهاد

في برقة، وعلى الرغم من الشدائد التي عاشتها البلاد قاطبة نتيجة لانتشار الطاعون

والأوبئة، وتمكن الإيطاليين من السيطرة على المناطق الغربية من ليبيا، وانقطاع

الإمدادات على قلتها والتي كانت تأتي من مصر عن طريق زاوية الجغبوب. وعلى

الرغم من أن مناطق المعارك لم تزد مساحتها على بضع عشرات من الأميال، ومن

أن المختار جاوز الستين من عمره، على الرغم من هذا كله: كان على إيطاليا

وجنرالاتها أن تخوض حرباً لا هوادة فيها لمدة ثمانية أعوام أخرى كانت أصب

وأطول سني الحرب كلها، ولقد جردت إيطاليا كل ما لديها.. آلاف الجنود والمدافع

والدبابات والطائرات والضباط والقادة الذين تخرجوا من الكليات العسكرية المتقدمة

والتي كانت مصدراً يفخر به الغرب على المسلمين، لكن الذي لم يدركه الإيطاليون

وأدركه المختار: أن المقاييس في مثل هذه الأحوال لا تخضع دائماً للتقديرات

المادية، فقوة الإيمان وعزائم الرجال وتجرُّدهم في سبيل الله يرجح الموازين

ويخزي الظالمين.

ونستمع إلى كلمات المختار من وراء السنين، تجلو الهمة والعزيمة

والإصرار التي يتميز بها عندما دعي إلى التفاوض مع إيطاليا: (إنا حاربناكم

ثمانية عشرة سنة، ولا نزال بعون الله نحاربكم، ولن تنالوا منا بالتهديد) إلى أن

يقول: (لن أبرح الجبل الأخضر مدة حياتي ولن يستريح الطليان فيه حتى توارى

لحيتي في التراب) .

إن أمة مثل هذه لا سبيل لقهرها إلا بالقضاء عليها، وما أحوج المسلمين اليوم

لأن يدركوا مثل هذه العبرة، وأن يتعلموا مثل هذا الدرس.

ولم يبق أمام إيطاليا إلا خيار واحد، وهو: أن تقطع عن المجاهدين كل

إمكانية للإمداد، فجمعوا كل الليبيين في برقة في معسكرات اعتقال جماعية مع

ماشيتهم وأغنامهم، وأحرقوا بعد ذلك الأخضر واليابس، ومدوا الأسلاك الشائكة

على طول الحدود الليبية المصرية، لكن ذلك لم يكن ليفت في عضد المجاهدين

الذين وطنوا أنفسهم على إحدى الحسنيين، فاستمروا في قتالهم شهوراً عديدة، حتى

كان يوم الجمعة ٢٨ ربيع الثاني ١٣٥١هـ (١١سبتمبر ١٩٣١م) ؛ إذ فاجأتهم كتيبة

من الجيش الإيطالي في جنوب قرية سلنطة، ودارت بين الطرفين معركة سقط فيها

أكثر المجاهدين وقتل جواد المختار فوقع به على الأرض جريحاً، وقاتل حتى

نفذت ذخيرته، فأسره بعض الجنود الذين تعرفوا عليه، وكان ذلك إيذاناً بانتهاء

الجهاد والمقاومة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وفي يوم الأربعاء الثاني من جمادى الأولى ١٣٥١هـ (١٦سبتمبر١٩٣١م)

وفي مدينة سلوق: جئ بالمعتقلين وبجمع غفير من الناس ليشهدوا الإعدام، ووضع

الجلاد الحبل حول عنقه وصعدت روحه الطيبة تشكو إلى ربها عنت الطواغيت

وظلم الظالمين - أسكنه الله فسيح جناته، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء-.

لقد كان جهاد المختار ورفاقه ضد الإيطاليين درساً من الدروس العظيمة

لرفض الظلم والاستعباد والمضي في ثبات على طريق الجهاد مهما كانت الظروف

والإمكانيات، ولعل من المفيد هنا أن نعرض بإيجاز بعضاً من السمات والخصال

التي كونت شخصية عمر المختار، فتوحدت خلفه صفوف الليبيين وأصبح علماً

على جهادهم، وانتشرت أخبار بطولاته فأيقظت الرأي العام الإسلامي والعالمي،

فصارت الصحافة تعنى عناية جادة بمصير ليبيا، وكانت قد تناقص اهتمامها بعد

انسحاب الأتراك من الحرب عام ١٩١٢م:

-إن أوضح سمات المختار -ولاشك- هي: قوة إيمانه بالله، وصدق توكله

عليه، كما كان ظاهراً في كل أقواله وأفعاله، كما أن ذلك أيضاً هو مصدر كل

صفاته الحميدة الأخرى من الشجاعة والثبات والمروءة، وكيف لا وهو الذي تربى

وقضى عمره في حركة إسلامية كان لها الدور الرئيسي في بعث الإيمان في تلك

البلاد، وإحياء ما اندرس من معالم الدين والدعوة إليه وتربية الناس على ذلك [١] ، لقد نشأ المختار في بيئة أكسبته الفقه في الدين، وعلمته الدعوة إليه، وأعْظمت

في عينه فضيلة الجهاد، ولا أدل على ذلك من أنه قضى عمره يجاهد أعداء الإسلام، ويصارع أعظمهم جبروتاً وكبراً على أرض ليبيا وخارجها، ولا شيء يصقل

إيمان المسلم ويزيد من توكله على ربه كساحات المعارك ومقارعة الباطل والظالمين. ومع هذا الإيمان الراسخ كان عمر المختار واسع الأفق عالماً بواقعه، مدركاً

لما يجري حوله متابعاً له، وقد كان ذلك أكبر عون له على صحة مواقفه وقوتها

التي فرضت الاحترام من أعدائه قبل أصدقائه، وما أعظم أن يجتمع الإيمان والفقه

بالواقع، وما أقبح أن يتفرقا. ولئن كان هذا واضحاً جلياً في كل مواقف المختار

وآرائه، إلا أنه يتجلى كأوضح ما يكون في إدراكه لعدم جدوى المفاوضات السياسية

والمهادنات مع الحكومة الإيطالية التي وقع فيها - للأسف - كثير من قادة الجهاد

الليبي، فكانت نتائجها سلبية سيئة، وكذلك في اعتماده على الإمكانيات المتوفرة

لديه، وعدم التجائه إلى الشرق أو الغرب طلباً للعون السياسي أو المادي:

والمستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار

- شخصيته القيادية وقدرته على تأليف قلوب من حوله وتوجيههم، كما أثبت

ذلك في إدارته لشؤون زاوية القصور وفي نجاحه في قيادة الجهاد بمراحله

ومتطلباته المختلفة: من التخطيط للمعارك وقيادتها، إلى متابعة أصداء الجهاد في

الداخل والخارج والتفاعل معها.

وننقل هنا ما جاء في رسالة بعثها للأمير شكيب أرسلان الذي بذل جهداً

إعلامياً كبيراً في الدفاع عن الجهاد الليبي وتوضيحه للعالم، يقول فيها: " إنه من

خادم المسلمين عمر المختار إلى الأمير أخينا في الله الأمير شكيب أرسلان -حفظه

الله-: قد قرأنا ما دبجه يراعكم السيال عن فضائح الطليان وما اقترفته الأيدي

الأثيمة من الظلم والعدوان بهذه الديار، فإنني وعموم إخواني المجاهدين نقدم لمقامكم

السامي خالص الشكر وعظيم الممنونية.

كل ما ذكرتموه مما اقترفته أيدي الإيطاليين هو قليل من كثير، وقد اقتصدتم

وأحفظتم كثيراً، ولو يُذكر للعالم كل ما يقع من الإيطاليين! لا توجد أذن تصغي لما

يروى من استحالة وقوعه، والحقيقة - والله وملائكته شهود - أنه صحيح، وإننا

في الدفاع عن ديننا ووطننا صامدون، وعلى الله في نصرنا متوكلون، وقد قال

تعالى: [وَكَانَ حَقًا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

في ٢٠ ذي الحجة سنة ١٣٤٩هـ[٢]

-العقلية العسكرية الفذة التي اكتسبها من خلال حياته في الزوايا التابعة

للحركة السنوسية، حيث كان التدريب على أعمال الجهاد جزءاً أساسياً من برنامج

الحياة فيها.

يقول الأمير شكيب أرسلان يصف ذلك، وكان قد زار ليبيا والتقى بمجاهديها حدثني السيد أحمد الشريف: أن عمه المهدي كان عنده خمسون بندقية خاصة به، وكان يتعهدها بالمسح والتنظيف بيده، لا يرضى أن يمسحها أحد من أتباعه قصداً وعمداً ليقتدي به الناس ويحتفلوا بأمر الجهاد وعدته وعتاده، وكان نهار الجمعة يوماً خاصاً بالتمرينات الحربية من طراد ورماية وما أشبه ذلك. فكان السيد يجلس في مرقبٍ عالٍ، والفرسان تنقسم صفين، ويبدأ الطراد فلا ينتهي إلا في آخر النهار [٣] ، هذا بالإضافة إلى الخبرة الطويلة التي اكتسبها من ميادين القتال حتى أصبح ذا كفاءة عالية في استخدام المتوفر من القدرات وفي استغلال طبيعة ميدان المعركة، وذلك بشهادة القادة من أعدائه كما يذكر جراتسياني عنه: أنه ترك المواجهة في الصحراء واتخذ من الجبال مقراً له، فكان ذلك من أكبر العوائق أمام الإيطاليين في صراعهم مع المجاهدين.

- وفي هذا كله كانت أقواله تصدقها الفعال، بل إن الصدق كان من أبرز

سماته على الإطلاق، الصدق مع الله.. الصدق مع النفس، ومع الآخرين حتى إن

كانوا ألد الأعداء.. حتى أمام المحكمة التي حكمت عليه بالإعدام ...

- هل أنت قائد الثوار ضد الحكومة الإيطالية؟ .

- هل حاربت الدولة وحرضت الناس على ذلك؟ .

- هل أشهرت السلاح في وجه القوات الإيطالية واشتركت في القتال فعلياً؟

- هل أمرت بتحصيل الأعشار من الأهالي؟ .

- هل أمرت بقتل الطيارين اللذين وقعا في الأسر؟ .

أجاب عن كل هذا ب: " نعم "، باستثناء حادثة الطيارين اللذين نفى علمه

بمقتلهما - رحمه الله رحمة واسعة- إن شعباً أنجب المختار وأمثاله من المجاهدين

لن يعقم أبداً.

إن من أكبر الدروس التي نتعلمها من حياة هذا المجاهد البطل هو: أن الجهاد

من أجل حماية العقيدة ونشرها وإقامتها في واقع الحياة، وبذل المهج والأرواح في

سبيل ذلك هو من أسمى غايات المسلم، وأن القيادة الشرعية إنما هي في حقيقتها

قيادة جهادية تعمل على ذلك وعلى تخليص المسلم من الظلم والإذلال، كما تعمل

على نشر العلم وبيانه، وأنه لتحقيق ذلك لابد من وجود الصلة القوية بين العالم أو

الداعية والمجتمع عن طريق العلاقة الوثيقة بالناس وبواقعهم وما يعانونه من

مشكلات.


(١) لابد من الإشارة هنا وقد بينا محاسن الحركة السنوسية ودورها في قيادة الجهاد ضد الإيطاليين أننا لا نوافق على كل منهجها وخاصةً في الجانب التربوي الذي اعتمد أساليب الصوفية، وكان فيه بعض الغلو، ولكن كان ذلك قد ازداد واستفحل عند المتأخرين منهم وبعد وفاة أحمد الشريف، إلا أن جذوره كانت ولا شك في أصل منهجهم والحركة السنوسية لم تعط بعد حقها من الدراسة والبحث.
(٢) كتاب قصة الأدب العربي في ليبيا، ص ١٤١، محمد عبد المنعم خفاجي، مكتبة الخراز ١٩٦٥م.
(٣) كتاب الأمير شكيب أرسلان، القضية الليبية/١٢، محمد رجب الزائدي، مكتبة الخراز ١٩٦٤م.