[المربي بين التلقائية والإعداد]
محمد بن عبد الله الدويش
ليسوا قليلاً أولئك الذين تميزوا بحسن الأداء التربوي، وكم رأينا من أب أو أم لا يملك رصيداً ذا بال من المعرفة والخبرات المنظمة ومع ذلك كانت تربيته مضرب المثل.
وفي ميدان التعليم سمعنا كثيراً عن مربين كان عطاؤهم وتأثيرهم التربوي المتميز لا يقاس بإعدادهم التربوي، وربما كانوا أقل ممن حولهم في المعرفة التربوية.
ولعل الجدل الذي كان يدار فيما مضى: هل التدريس فن أو علم؟ ومثله: هل الإدارة فن أو علم؟ ... لعل جزءاً من أسباب ذلك الجدل يمكن تفسيره من خلال هذه الظواهر.
وربما قادت هذه الظواهر بعض المهتمين بالشأن التربوي ـ عملياً ـ إلى التقليل من أهمية المعرفة التربوية وإعداد المربين استشهاداً بهذه النماذج.
وفي ميدان إدارة الأعمال الاقتصادية أو الخيرية يحقق من يملكون قدراً من السمات الشخصية نجاحاً ملموساً، لكن كلما تقدم الوقت وتعقدت الحياة زاد ارتباط النجاح بالمعرفة والتدريب على حساب السمات الشخصية.
والتربية عمل أكثر تعقيداً؛ إذ هي بناء للإنسان، وتنمية لشخصيته، في عالم مليء بالمؤثرات والتعقيد.
وفي عصر الانفتاح الهائل الذي يعيشه العالم اليوم ـ ونحن جزء منه ـ هل يمكن أن تتم المراهنة على نجاح التربية من خلال السمات الشخصية للمربين فحسب؟
وماذا لو عاد بعض المربين المتميزين ممن عاشوا قبل عقود قليلة؟ ماذا لو عاد هؤلاء ليربوا أولادهم أو تلامذتهم في هذا العصر؟
هل نتوقع أنهم قادرون على النجاح بمجرد ما يملكونه من تميز شخصي؟ هل يمكن أن يحققوا الإنتاج التربوي نفسه بالأساليب والأدوات التربوية التي كانوا يمارسونها في الماضي؟
مع تقدم الوقت وتعقد الحياة تزداد الحاجة للمعرفة والتعليم والتدريب، حتى في إطار المهن والحرف التي كانت تُتَلقى من خلال الممارسة الشخصية؛ فقد غدت بحاجة إلى تدريب منهجي منظم.
إن الارتقاء بخبرات المربين وتأهيلهم مطلب يزداد أهمية مع ازدياد تعقُّد الحياة، ومن ثمَ تعقُّد العملية التربوية.
وهذا يفرض على المهتمين بالشأن التربوي أن يسهموا في تقديم ما يرتقي بالمربين وخبراتهم وأدائهم.
ويفرض الاعتناء ببرامج التأهيل والتطوير للمربين، ويفرض أن يرتقي تناول القضايا التربوية فيتجاوز مجرد التأكيد على أهميتها وخطورة إهمالها، ويتجاوز مجرد الحديث عن تجارب شخصية وآراء فردية.
يمكن أن نقدم للمربين آراء واقتراحات عديدة، وربما يجدون فيها ما يفيدهم ويطور بعض ممارساتهم، لكن هذا لا يغني عن البناء المنهجي العلمي الذي لا يستهدف تحويل الناس إلى مختصين في التربية، لكنه يوظف التخصص في تطوير معارفهم وأدائهم وخبراتهم.