للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محنة الدعاة في الصومال]

قبل عام أو يزيد قليلاً ألقت السلطات الصومالية القبض على عدد كبير

جداً من الدعاة، وأودعتهم السجون والمعتقلات، ونسبت إليهم تهمتين:

الأولى: محاربة النظام القائم.

والثانية: إدخال كتب ممنوعة، منها: كتب ومؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورسائل الشيخ عبد العزيز بن باز -

حفظه الله -، ومؤلفات الأستاذ سيد قطب.

ورافقت عملية الاعتقال حملة إعلامية هدفها تشويه سمعة الدعاة، وكان

الصوفيون الخرافيون أهم ركائز هذه الحملة الظالمة التي استخدمت الإذاعة

والتلفاز والصحف والمساجد، واستنفرت كافة أجهزة السلطة في نشر الإشاعات

والأراجيف، ومع ذلك كان كيدهم ضعيفاً، ففي حديث إذاعي تكلم خرافي كبير ... فقال:

إن هؤلاء الأشرار [عليه من الله ما يستحق] يقولون باستواء الله على عرشه، وينكرون التوسل بالأولياء والصالحين، ويكفرون المسلمين، وما إلى ذلك من

أقوال.

وفوجئنا قبل صدور هذا العدد بأن محكمة الأمن الوطنية في الصومال قد

أصدرت حكمها بإعدام الدعاة الآتية أسماؤهم:

١- عبد العزيز فارح.

٢- محمود شيخ فارح.

٣- الشافعي محمود محمد.

٤- يوسف معلم عبدي.

٥- محمد عثمان سيدو.

٦- حسن طاهر أويس.

٧- نور بارود جرحن.

٨- حاشي علهي.

٩- أويس محمد إبراهيم.

وحكمت بالسجن ١٥ سنة مع الأشغال الشاقة على الإخوة الآتية أسماؤهم:

١- عبد العزيز حسين.

٢- محمود جامع.

٣- محمد هبروا.

وتدخل وسطاء؛ فأوقف المسؤولون تنفيذ أحكام الإعدام.. والذي نود

توضيحه للقراء نوجزه فيما يلي:

١- إن هؤلاء الدعاة ليسوا نكرات، لقد تخرج معظمهم من الجامعة الإسلامية

في المدينة المنورة، وكانوا نماذج طيبة في سلوكهم وعلمهم ومعتقداتهم، وهم حقاً

يقولون باستواء الله على عرشه، ويثبتون ما أثبته الله لنفسه من غير تأويل ولا

تعطيل ولا تشبيه، ويحاربون الخرافات، وبشكل أكثر وضوحاً فهم سلفيون في

المنهج والاعتقاد، ولا يكفرون أحداً من المسلمين بذنب أو معصية، وعلى نقيض

ذلك فكبار رجال السلطة والخرافيون هم الذين قالوا بتكفير هؤلاء الدعاة الطيبين.

٢- اعتدنا سماع هذه التهم الباطلة التي يلصقها الظالمون بالدعاة الطيبين

كقولهم: يحاربون النظام، وقولهم: كانوا يخططون لانقلاب ضد النظام، وما إلى

ذلك من أكاذيب، ونستطيع وصف الجريمة وأبعادها قبل أن نطلع على أقوال النظام، لأن ما يقال صورة طبق الأصل لصور اعتدنا سماعها مع اختلاف يسير في

الشكل والإخراج.

وإذا كانت الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ونشر معتقدات السلف الصالح -

رضوان الله عليهم -، والاجتماع على ذلك مع التحذير من البدع والخرافات

والمتاجرة بالدين وسوء استغلاله.. نقول: إذا كانت هذه الأمور كلها تآمراً، إذن،

فالعلماء الطيبون، والدعاة المخلصون، والشباب الغيورون على دينهم كلهم

متآمرون!

٣- يأبى الله إلا أن يظهر الكذاب على حقيقته، فأقوال محكمة النظام تخالف

[شريط كاسيت] لازلنا نحتفظ به، ورغم ما فيه من شتم لهؤلاء الدعاة فهو شهادة

ببراءتهم، واعتراف من النظام بتورطه في مخططات وجرائم ضد الدعاة ...

وقد يسأل سائل: ما علاقة نظام علماني بالصوفية والخرافيين؟ وماذا يريد

هذا النظام -وهو علماني- من الاستواء، والتوسل وغير ذلك من الأمور التي لا

يعتقدها ولا يؤمن بها؟ .

وجوابنا على ذلك من وجهين:

الوجه الأول: إن تعاون الصوفيين الخرافيين مع العلمانيين حقيقة تتكرر في

جميع بلدان العالم الإسلامي، وهناك روابط بينهم من أبرزها الشرك ووحدة الوجود

والحلول، ونقصد بهذا غلاة الصوفيين.

الوجه الثاني: يستغل العلمانيون الصوفيين الخرافيين، ويتخذون منهم أداة

لضرب الصف الإسلامي من داخله، والصوفيون انتهازيون نفعيون يحقدون أشد

الحقد على دعاة الإسلام الذين يلتزمون منهج السلف الصالح -رضوان الله ... عليهم -.. وقصارى القول: أن الأهواء والمصالح هي التي تربط بين الطرفين، ولا يقتضي هذا أن يحب كل طرف الطرف الآخر، فأصحاب الأهواء والمصالح لا يحبون ولا يعظمون إلا أنفسهم.

٤- كيف تكون كتب أهل السنة والجماعة خطراً ويحكم بالإعدام على كل من

ثبت أنه أدخلها إلى البلاد، وتكون كتب المبشرين مباحة ولا مانع يمنع من إدخالها

وتوزيعها وتدريسها؟ !

كيف تغلق المدارس الشرعية التي قدمت خدمات لا تنسى لأبناء الصومال،

وتشجع المدارس التبشيرية؟ ! ففي [مقديشو] وحدها أكثر من ثلاثين مدرسة صليبية! .

كيف يجري التضييق على دعاة الإسلام، ويمنعون من ممارسة نشاطهم في

بيوت الله؟ ! بيوت الله، وليست بيوت زعماء النظام وسدنته.. نقول: كيف

يجري التضييق على دعاة الإسلام في حين كان الشيوعيون يشرقون ويغرِّبون في

الصومال دون حسيب ولا رقيب، وعندما اختلفوا مع قادة [الكرملين] أصبح رسل

[واشنطن] يشرِّقون ويغرِّبون؟ ! .

٥- كنا ولازلنا نتمنى أن يشرح الله صدور القادة العسكريين في مقديشو للحق، ويتوبوا إلى الله من جرائم اقترفوها كان من بينها: إعدام عشرة علماء من كبار

علماء الصومال عام ١٩٧٥، لأنهم عارضوا النظام عندما غيَّر آخر ما تبقى من

شرع الله، وسن قانوناً يقتضي بمساواة الذكور والإناث في الميراث.. وتتابعت

الجرائم بعد ذلك، وكانت موضع احتجاج واستنكار الدعاة في كل بقعة من العالم

الإسلامي، ولكنهم -بكل أسف- وبعد ١٢ عاماً من جريمتهم الأولى يقدمون الآن

على الحكم على علماء آخرين بالإعدام، ويزجون بمئات من الدعاة في السجون من

بينهم الشيخ: محمد معلم حسن، رغم ما يعانيه من أمراض، والشيخ محمد نور

قوي.

ألا فليعلم هؤلاء العسكريون بأن الصومال بلد مسلم عريق يعتز بدينه وعقيدته، وقد ابتلاه الله في تاريخه الطويل بطغاة كُثُر، كانوا يظنون أنهم خالدون فلفظهم وبقى الإسلام عزيزاً قوياً، وسيبقى الإسلام فيها شامخاً كريماً.

ألا فليعلم العسكريون أن دعاة الإسلام لا يخشون سجون الظالمين ومعتقلاتهم،

ولا يخيفهم التهديد ولا الوعيد، وسجْن نفرٍ منهم يغذي الدعوة ويطورها، وسوف

يهيئ الله لدينه رجالاً يحبهم ويحبونه، يجاهدون في سبيله من أجل أن يكون الدين

كله لله في الأرض.

إن مشكلة الصومال ليست مع هؤلاء الدعاة الأبرار الأخيار، وإنما المشكلة

في الفقر المدقع، فهل حل هذا النظام العسكري مشكلة الفقر؟ ! وكل صومالي

يعرف بأن عدد الفقراء في ازدياد.

ومشكلة الصومال مع الانتهازيين والوصوليين الذين يسرقون قوت الفقراء

والمحتاجين، وقد كثر عددهم مع مجيء هذا النظام.

والعلماء الدعاة أكبر ثروة تملكها الأمة، وهم عماد نهضتها وسر قوتها،

ومساكنهم ونواديهم ليست السجون والمعتقلات، وإنما المساجد والمدارس والجامعات

والنوادي، وهم الذين يعالجون المجرمين وقطاع الطرق والمدمنين على المخدرات.. ولن يسلم من عقوبة الله وبطشه الذين ينكلون بالدعاة ويطاردونهم. قال تعالى:

[إنَّ الَذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ويَقْتُلُونَ الَذِينَ يَأْمُرُونَ

بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُوْلَئِكَ الَذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا

والآخِرَةِ ومَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ] [آل عمران/٢١] .