للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة في كتاب

نبي الإسلام.. بين الحقيقة والادعاء!

تأليف: د. عبد الراضي محمد عبد المحسن

عرض: د. أحمد علي زلط

صدر مؤخراً كتاب: (نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء) للدكتور

عبد الراضي محمد عبد المحسن عن الدار العالمية للكتاب الإسلامي بالرياض؛ وقد

قام المؤلف في إخراج مادة كتابه بمنهأج موضوعي رصين؛ وأسلوب عربي مشرق،

بهدف تصحيح الصورة الخاطئة والمفاهيم المغلوطة عن نبي الإسلام، وقد استغرق

إعداد الكتاب كما يقول مؤلفه: (عشر سنوات ... وذلك إدراكاً منا لدقة الموضوع

وأهميته، وضرورة الاحتشاد الكافي له) [١] .

وعنوان الكتاب يتآزر مع مضمونه أو محتواه؛ مما يشكل إضافة مهمة لمكتبة

الدراسات الإسلامية المعاصرة.

ظل النبي المصطفى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هدفاً لمطاعن خصوم

الإسلام التقليديين وجنودهم من جحافل المبشرين والمستشرقين الذين راحوا يثيرون

الغبار والشبهات، ويروِّجون المزاعم حول النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته،

يريدون تشويهه في أعين الذين لا يعرفونه، لتنفيرهم من الإسلام السمح، و (في

محاولة يائسة لقطع الطريق أمام الإسلام في أداء رسالته التنويرية وتعطيل دوره

الحيوي في هداية البشرية) [٢] .

وقد جاءت الدراسة الموضوعية للكتاب في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: بعنوان: النبوة في الإسلام، ويهدف المؤلف إلى تعريف

طبيعة النبوة في الإسلام وذلك من خلال إيراد مفهومها في اللغة والاصطلاح، ذلك

المفهوم الذي يجمع بين نظرية الاتصال والمعرفة المترتبة على هذا الاتصال؛ ومن

جانب ثالث هو (الهبة) التي تمثل الطريق الوحيد للنبوة في الإسلام. وقد بدأ

المؤلف بتعريفات النبوة، فيقف أمام تعريف أهل السنة للنبوة ويرتضيه، وينقل

عن ابن حزم: (النبوة مأخوذة من الإنباء وهو الإعلام؛ فمن أعلمه الله عز وجل

بما يكون قبل أن يكون أو أوحى إليه منبئاً له بأمر ما فهو نبي بلا شك) [٣] . أما

ابن تيمية فيؤكد في تعريفه على الاتصال الرأسي (بالله) والاتصال الأفقي (بالبشر)

فيقول: (فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأه الله به؛ ويقول أيضاً:

فالأنبياء ينبئهم الله، فيخبرهم بأمره ونهيه وخبره، وهم ينبئون المؤمنين بما أنبأهم

الله به من الخير والأمر والنهي) [٤] .

توقف المؤلف في كتابه أيضاً ليؤكد تعريفات النبوة أو مفاهيمها عند المعتزلة،

وهم يرون فيها (رفقة مخصوصة خص الله بها بعض عباده، ثم توقف أمام تعريف

ابن خلدون للنبوة الذي رأى فيها) الصدق الذي لا يعتريه الكذب؛ لأنها اتصال من

النبي بالملأ الأعلى من غير مشيع، ولا استعانة بأجنبي (وعمَّق المؤلف في ضوء

ذلك ماهية النبوة لغة واصطلاحاً.

وقد حدد المؤلف في مباحث الفصل الأول مراتب النبوة، وعصمة الأنبياء،

وختم النبوة، فعرج إلى مراتب الأنبياء، الرسل، أولي العزم، خاتم الأنبياء محمد

صلى الله عليه وسلم. ثم تناول عصمة الأنبياء في الجانبين الأخلاقي والتبليغي

(إبلاغ رسالة النبوة) . وقد عرض مؤلف الكتاب في المبحث الرابع والأخير من

الفصل الأول أدلة العقل والشرع والإجماع، والاجتهاد (الأدلة الذاتية) على كون

رسالة الإسلام هي خاتم الرسالات ورسول الإسلام خاتم الأنبياء والمرسلين.

ويستدل المؤلف بالقرآن الكريم في إثبات عصمة الأنبياء في التبليغ فيذكر في كتابه:

(فالقرآن يخبرنا أن الله قد عصم أنبياءه عن النسيان، قول تعالى:

[سنقرئك فلا تنسى] [الأعلى: ٦] . أي لا تنسى شيئاً من الوحي إلا ما أراد

الله، ويقول تعالى مخبراً عن تكفله جمع الوحي في قلب الموحى إليه: [لا تُحَرِّكْ بِهِ

لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ (١٧) فَإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ]

[القيامة: ١٦ - ١٨] ، ويقول تعالى عن ضمان التبليغ: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا

أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ] [المائدة: ٦٧] ، وعن استحالة

القدرة على الكذب: [ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (٤٤) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ

(٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ] [الحاقة: ٤٤ - ٤٦] ، ويجمع القرآن كل ذلك في آية

قاطعة جامعة: [ومَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى (٣) إنْ هُوَ إلاَّ وحْيٌ يُوحَى] [النجم:٣،٤] .

ويدعم المؤلف مباحث الفصل الأول الفرعية بمقولات سديدة حول موضوعات

الفصل جميعاً؛ حيث يلخصها في جانب عصمة الأنبياء (في الأخلاق والتبليغ) ؛

ومنها رأي ابن تيمية: (والعقل يلزم بهذه العصمة؛ إذ بدونها لا يحصل مقصود

النبوة والرسالة؛ إذ لما كانت النبوة أو الرسالة هي النبأ أو الخبر فقد وجبت

العصمة عن الخطأ في نقل هذا النبأ الذي هو مقصود النبوة والرسالة [٥] ،

والإجماع قد ثبت باتفاق الأمة على عصمة الأنبياء في التبليغ عن رب

العالمين [٦] .

يقول الله تعالى: [مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وخَاتَمَ

النَّبِيِّينَ] [الأحزاب: ٤٠] ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (وإنه سيكون في أمتي

ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) [٧] .

في ضوء ذلك يسترشد المؤلف بالكتاب والسنة؛ ثم ما أسماه بالأدلة الذاتية

ويقصد بها الخصائص والمقومات الذاتية للإسلام عقيدة وشريعة ونظاماً ومنهج

حياة؛ كما فند الاختلاف بين الأدعياء في تاريخ الديانات؛ من أفراد أو مذاهب، وبين الثبات والرسوخ واليقين بمقام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لكونه خاتم الأنبياء، ومنه قول العلاَّمة كارستن كولبي في كتابه: (خاتم النبيين) الذي دعم به المؤلف فكرة ختم النبوة، فيذكر أنه الإعلان الوحيد في تاريخ النبوة الذي يصدر عن صاحبه وفي حياته ويسجله كتابةً، وذلك في وضوح ودقة وقطع لا مجال فيه للبس أو غموض؛ إذ هو ليس كغيره من الإعلانات السابقة التي تحصل عن طريق الاستنباط أو التحليل [٨] .

أما الفصل الثاني من الكتاب فقد أخذ مجهوداً أو تكثيفاً لتفنيد المزاعم ضد نبي

الإسلام وقد انبرى قلم المؤلف في وعي وبرهان ليفند الدعاوى الآتية:

١ - دعوى عدم انقطاع شريعة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام.

٢ - دعوى عدم الحاجة إليه.

٣ - دعوى (عدم تبشير النبوات) .

٤ - دعوى (عدم التأييد بالمعجزات) .

٥ - دعوى (قصر النبوة على العرب) .

٦ - دعوى (أن الإسلام (هرطقة) مسيحية) !

وظاهر الدعاوى السابقة؛ أنها هرطقات الأعداء للإسلام ولرسوله صلى الله

عليه وسلم، ولذا فإن الصفحات من (٧٤) إلى (١٠٨) من الكتاب تكفلت بالرد على

تلكم المزاعم، وهي ترهات تنكر ضوء الشمس وحقيقة نبوة الإسلام، وخاتم

الأنبياء؛ وهنا لم يأت المؤلف بجديد، لكنه كثف وحدد في نهج موضوعي كيفية إبطال كل دعوى من الدعاوى المثارة حول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، بما يزيل تلك الشبهات باليقين العلمي المسدد. قال تعالى: [ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ] [الأنبياء: ١٠٧] . وقال عز من قائل: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا] [سبأ: ٢٨] . ويقول تعالى: [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعاً الَذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ] [الأعراف: ١٥٨] .

عرض كتاب: (نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء) في الفصل الأخير منه،

عرضاً موثقاً وأميناً لدلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك فصَّل المؤلف

دلائل النبوة تفصيلاً: أنواعها، وخصائصها، ثم توجه المؤلف إلى القرآن الكريم

يكشف للقراء وجوه دلالته على النبوة، ومراتب الإعجاز القرآني على تنوعها

المعروف.

وفي المبحث الثاني من الفصل عرض المؤلف أنواع المعجزات (معجزات

النبوة) واستهل بماهية المعجزات والرد على منكري المعجزات وهي ماثلة

كما عرض لها المؤلف في القرآن الكريم وكتب الحديث، أو المعجزات الفعلية والقولية، وقد لجأ المؤلف إلى استناد حقيقي آخر هو البشارات، وأثرها في

الاستدلال على (دلائل النبوة) قبل البعثة المحمدية وبعدها.

أما المبحث الرابع حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه فقد وقف

المؤلف عنده بالتأمل وملتزماً بمنهج عرض مادة الكتاب، فكان خير خاتمة لفصول

الكتاب، ومنه نقتطف بعض ما أورده المؤلف بقلمه أو تعضيداً بالرأي من السلف

الصالح: (نص القرآن الكريم على كمال أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فيقول

تعالى: [وإنك لعلى خلق عظيم] [القلم: ٤] ، وإشارته إلى هذا الكمال الأخلاقي

سبب في تأليف القلوب حول النبي، يقول تعالى: [ولو كنت فظا غليظ القلب

لانفضوا من حولك] [آل عمران: ١٥٩] [٩] .

ويقول الماوردي هنا: (إن تكامل الأخلاق أمر معجز؛ لأن الناس يطلبونه

فلا يجدونه؛ فهو معوز لهم، وتكامل الأخلاق أيضاً موجب للصدق، والصدق

موجب لقبول القول، ومعلوم أن جماع الكلام في النبوة قائم على الخبر وقبوله،

فوجب أن يكون من دلائل الرسل [١٠] .

وليس من شك أن المؤلف وُفِّق إلى تفصيل ذلك، فعرض إلى كمال الخصال

والأوصاف، وفضائل الأقوال، وفضائل الأعمال؛ وسنقف عند فضائل الأعمال

لنثبت ما قاله المؤلف عنها بوصفها أحد محددات كمال أخلاق الرسول صلى الله

عليه وسلم ومن سيرته العطرة. يقول المؤلف: (فضائل الأعمال مختبر بخصال

منها: حسن سيرته، وصحة سياسته، والثانية: جمعه بين رغبة من استمالة

ورهبة من استطاع حتى اجتمع الفريقان على نصرته وقاموا بحقوق دعوته،

والثالثة: توسط شريعته بين الإفراط والتفريط، والرابعة: أخذه من الدنيا على قدر

الكفاية، والخامسة: توضيحة لمعالم الدين وأحكامه وعباداته حتى لم يحتج إلى

شرع غيره، والسادسة: جمعه بين الدعوة للدين باللسان والبيان وبين الانتصاب

لجهاد الأعداء حتى انتصر، والسابعة: ما اختص به من الشجاعة في الحروب

وثبات القلب وسرعة النهوض إلى نجدة الملهوف والمحتاج والمفزوع، والثامنة:

ما كان عليه من سخاء وجود، حتى جاد بكل موجود، وآثر بكل مطلوب

ومحبوب) [١١] .

خاتمة مجملة:

إن كتاب: (نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء) أحد أهم الكتب الإسلامية

الرصينة التي أفرزتها حركة الدعوة، أو إنتاج دور النشر المختصة في العقود

الأخيرة، وهو مجهود فكري هادئ موضوعي ينأى عن الحماسة والضجيج،

ويقترب من الكتب الثقة الأم التي تناولت مثل هذا العنوان.

وقد بات من الضروري أن أنوِّه بكلمة الناشر في ذيل الكتاب، وأجدها فرصة

للإفادة من موضوعات الكتاب فهماً وعملاً؛ فالكتاب هذا أصبح أحد العناوين المهمة

للدفاع عن نبي الإسلام ورسالته. وجاء الكتاب في مجمله دراسة منهجية فيها من

الدقة العلمية والأخذ بثوابت العقيدة؛ وجديد العلم الصحيح النافع، وهو ما تقدمه

صفحات ذلك الكتاب. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم

على محمد وآله وصحبه وسلم.


(١) نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء، د عبد الراضي محمد عبد المحسن، الطبعة الأولى، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض، ٩١٤١هـ ٨٩٩١م، ص ٦.
(٢) المصدر السابق، ص ٥ (٣، ٤) المرجع السابق، ص ٧١.
(٥) انظر: النبوات، لابن تيمية، ص ١٢٢.
(٦) المرجع السابق، النبوات، نفسه.
(٧) البخاري، كتاب المناقب باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
(٨) نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء، ص ٥٦.
(٩) المرجع السابق، ص ٢١٢.
(١٠) أعلام النبوة، الماوردي، ص ٨٥١.
(١١) نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء، ص ٥١٢.