للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنصير طالبي اللجوء السياسي في الغرب مسؤولية من؟]

يحيى أبو زكريا

يتعرّض طالبو اللجوء السياسي والإنساني في العواصم الغربية إلى معاناة مركبة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية ودينية أيضاً.

فمع تضييق الخناق على اللجوء وإغلاق الأبواب بشكل كامل على طالبي اللجوء وخصوصاً بعد توحيد القوانين الأوروبية فيما يتعلّق باللجوء السياسي والإنساني، أصبح المجهول هو المصير الحتمي لعشرات الآلاف من العرب والمسلمين الذين رُفضت طلبات لجوئهم، وبعد رفض طلب أي لاجئ من قِبَل دوائر الهجرة، وبعد رفض الاستئناف أيضاً يحال اسم طالب اللجوء إلى ما يعرف في السويد والنرويج والدانمارك وفنلندا وبقيّة الدول الأوروبية إلى الشرطة الخارجية التي تتوجّه إلى مكان إقامة طالب اللجوء لطرده إلى بلاده مهما كانت الاعتبارات السياسية.

وحتى لو كان طالب اللجوء صادقاً في ادعائه أنّه مُلاحَق من قِبَل نظام الحكم في بلاده، وفي هذه الحالة يضطّر طالبو اللجوء الذين رفضت طلباتهم إلى مغادرة مكان إقامتهم والتوجه إلى الكنائس للإقامة فيها؛ حيث توفّر لهم هذه الكنائس المأوى داخل الكنيسة والمأكل والمشرب والمساعدة الطبيّة والماديّة، وقد تحولت عشرات بل مئات الكنائس في السويد وبقيّة دول شمال أوروبا إلى مأوى لطالبي اللجوء القادمين من العالم العربي والإسلامي والثالث.

وتمارس الكنيسة نفوذها للحؤول دون دخول الشرطة إلى الحرم الكنسي وتنفيذ قرارات دوائر الهجرة بإعادة طالبي اللجوء إلى بلادهم. ولا يعرف طالبو اللجوء الذين توجهوا إلى الكنائس طلباً للحماية كم هي المدّة التي يقضونها في كنف الكنيسة وحمايتها؛ حيث قد تمتد المدّة إلى أربع سنوات أو سبع سنوات كما حدث مع عوائل مسلمة بوسنية لجأت إلى كنيسة سويدية، وأثناءها تتصل هذه الكنائس بأشهر محامي الهجرة للدفاع عن طالبي اللجوء ومساعدتهم للحصول على حقّ الإقامة الدائمة في الدول المانحة للجوء.

وأثناء ذلك يعيش طالبو اللجوء السياسي مع عوائلهم وأولادهم الأجواء الكنسية بكل تفاصيلها من أداء للطقوس وقراءة مستمرة للإنجيل وتلقين مبادئ الإنجيل للأطفال والذين لا يحق لهم الذهاب إلى المدارس الرسمية بموجب قرار الطرد الصادر في حقّ أولياء أمورهم، وهنا يتولّى تدريسهم مبادئ الإنجيل وحياة المسيح قساوسة مدربون تدريباً محكماً في كيفية استغلال المأساة الإنسانية وتمرير قناعاتهم من خلالها.

فكنيسة (نيكوستال) النرويجية التي تقع غرب العاصمة النرويجية (أوسلو) جرى تنصير عشرات العوائل المسلمة فيها بحجّة أنّ ذلك يساعدها على الحصول على حقّ الإقامة والانتهاء من حالة الفرار من الشرطة التي تنتظر طالبي اللجوء خارج أسوار الكنيسة لترحيلهم إلى بلادهم، وقد زار هذه الكنيسة قرابة ١٧ ألف مسلم من طالبي اللجوء في هذه السنة للحصول على دعمها.

ولدى القيام بهذا التحقيق قمنا بزيارة كنيسة تقع على مشارف مدينة (أوبسالا) السويدية، وفيها عثرنا على عشرات العوائل المسلمة التي تنتظر الطرد، وتنام هذه العوائل داخل الكنيسة التي تقدم كلّ شيء لطالبي اللجوء، وعلى طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم أن ينسجموا مع الحياة الكنسية وهو الأمر الذي أدّى إلى تنصّر عشرات العوائل المسلمة من إيران وكردستان وتركيا والمغرب العربي والبوسنة وإفريقيا.

ويوهَم طالبو اللجوء بأنّ اعتناق المسيحية يساعدهم على البقاء في البلاد، وأنّ يسوع المسيح سيساعد طالبي اللجوء على الخلاص من مآسيهم، ومع الوضع النفسي الصعب الذي يعاني منه طالبو اللجوء الذين يتهددهم الطرد إلى بلادهم، وحالات الانتحار الكثيرة التي يُقدِم عليها طالبو اللجوء؛ فإنّ كل ذلك يجعل الطريق مهيّأة لاعتناقهم المسيحية، وخصوصاً في ظل تقصير المؤسسات الإسلامية في استيعاب طالبي اللجوء المهددين بالطرد والمساعدة على مساعدتهم أمام الجهات المختصّة، بل هناك إهمال كامل ومطلق لأوضاع هؤلاء الذين ردد بعضهم على مسمعنا بأن النصارى أرأف علينا من المسلمين الذين لا يعرفون إلاّ جمع العملة الصعبة والتبرّم من تقديم مساعدة ولو بسيطة لنا.

وعن هؤلاء صرحت لنا الراهبة (مريان) التي تشرف على كنيسة سويدية تأوي طالبي اللجوء: بأنّها تفعل ذلك لأسباب إنسانية، وأنّها تدفع من جيبها ومن راتبها الكنسي لمساعدة هؤلاء الذين أُغلقت كل الأبواب في وجوههم.

ويتلقى أولاد طالبي اللجوء مبادئ اللغة السويدية أو النرويجية أو الدانماركية، كل حسب الدولة التي يوجد فيها، وبالإضافة إلى اللغة الغربية يتعلّم أبناء المسلمين مبادئ الدين المسيحي وقصّة يسوع المسيح كما وردت في التراث المسيحي، وفي المناسبات الدينية المسيحية تقوم مجموعات مسيحية ناشطة مثل (جمعية كلمة الحياة المسيحية) التي تضم بين ظهرانيها مئات الآلاف من الأعضاء وشهود يهوى بزيارة هؤلاء الأطفال سواء في الكنيسة أو في أماكن إقامتهم؛ حيث يتلقى هؤلاء الأطفال هدايا باسم المسيح، وكثيراً ما يشاهد الأطفال أعمالاً مسرحية للأطفال تتحدث عن معجزات المسيح، وفي نهاية الفعاليّة يتلقى الأطفال أشرطة سمعية بصرية تتحدّث عن حياة السيد المسيح ومعجزاته، وأهمية أن يعتنق الإنسان مبادئه لتنتهي أوجاعه المادية والروحيّة.

وبهذه الطريقة ضمّت هذه الجمعيات إليها مئات الأطفال العرب والمسلمين وخصوصاً أولئك الذين لا يتمتّع آباؤهم بوعي ديني وسياسي كاف يقيهم السقوط في هذه المحاولات التنصيرية.

وللإشارة فإنّه لدى اندلاع أزمة داخل الأسرة المسلمة وتجدد العنف الأسري بين الزوج والزوجة تتدخّل المؤسسة الاجتماعية التي لها سلطات وصلاحيات واسعة، وتأخذ الأطفال المسلمين من هذه الأسرة بحجة الحيلولة دون نشأة الأطفال في بيئة عنيفة خالية من الأمن والأمان، ويوزّع هؤلاء الأطفال على الأسر السويدية والدانماركية والفنلندية والنرويجية ـ كل حسب الدولة التي هو فيها ـ وهنا تلجأ هذه الأسر إلى تعميد هؤلاء الأطفال وتنصيرهم خصوصاً عندما تحكم المؤسسة الاجتماعية بشكل كامل أنّ هذه الأسرة المسلمة لم تعد صالحة لتربية أبنائها، وقد حدث أن فقدت مئات الأسر المسلمة أولادها بسبب تكرر الضرب بين الزوج والزوجة. وهذا الفعل يعطي الحق للمؤسسة الاجتماعية لتأخذ الأطفال من ذويهم وتوزيعهم على الأسر الغربية نفسها.

وقد اتصلنا بشاب عراقي يدعى (موفّق) وسألته عن سبب انتزاع ابنته التي تبلغ السنة منه وتسليمها لعائلة سويدية بشكل كامل ودائم، فأجاب بأنّ زوجته ادعت عليه لدى المؤسسة الاجتماعية السويدية بأنّه يضربها، وانتقاماً منها ادّعى هو أنّ زوجته تضرب ابنته، فحكمت المؤسسة الاجتماعية بعدم صلاحيتهما لتربية ابنتهما التي سُلِّمت لعائلة سويدية ومُنعا منعاً باتاً من التوجّه إلى مكان العائلة الجديدة التي ترعى ابنتهما والتي في أحيان كثيرة تكون سرية ومن محافظات نائية أخرى.

ويصادف المرء مئات الأطفال المسلمين السمر في أيدي عوائل سويدية أو نرويجية وغيرها، فهذا يُدعى (باتريك) ، وذاك (شارل) بعد أن كان اسمهم (محمداً، وعمر، وخالداً) وغير ذلك؛ فحتى الاسم يتمّ تغييره لدى مصلحة النفوس.

وكثيراً ما يعلن طالبو اللجوء المطرودون عن اعتصامات داخل الكنائس كما حدث مع مجموعة من الفلسطينيين الذين لاذوا بالكنيسة - Mission kyrkan، للاحتجاج على قرار دائرة الهجرة بطردهم، وفي نظرهم؛ فإنّ مثل هذا الاحتجاج يساهم في إيصال قضيتهم إلى الجهات العليا المسؤولة.

وكثيراً ما يتنصّر الأب والأم داخل الكنيسة، أو تتنصّر الأم دون الأب، وهنا يقع الصدام الكبير بين ركيزتي الأسرة يدفع ثمنه الأولاد الذين رمتهم الأيام إلى أحضان كنائس تفرقهم أكثر مما تجمعهم.

وعلى الرغم من الوعود المعسولة التي يحصل عليها اللائذون بالكنائس أنّهم قد يحصلون على الإقامة في أقرب الآجال إلاّ أنّ بعضاً منهم ما زال ينتظر داخل هذه الكنائس دون نتيجة تذكر، وهو الأمر الذي جعل بعضاً يقول أنّ البلاد العربية والإسلامية ورغم ما فيها من سلبيات أرحم بكثير من الضياع المطلق والتحدي الذي يستهدف المسلم في عقيدته في البلاد الغربية.


(*) صحفي جزائري مقيم في استوكهولم.