للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت أمواله مبذولة، ينفق في كلِّ سنة مئة ألف دينار ويستدين، وكان يقول: ما وجبتْ عليَّ زكاة قطُّ (١).

وكان يقول: أمّا دني فلان، وأفادني فلان.

[قال جدِّي : وسألني يومًا عن قوله : "مَنْ فاته حِزْبُه من اللَّيل، فصلاه قبل الزَّوال، فكأنه صلاه بالليل (٢) ". فقلت: هذا ظاهر في اللغة والفقه، أما اللغة فإن العرب تقول: إلى الزوال كنت الليلة، وأما الفقه، فإنه عند أبي حنيفة يصح الصوم بنية قبل الزوال، فقد جعل ذلك الوقت في حكم الليل. فأعجبه ذلك، وكان يقول للناس: ما كنت أعرف معنى هذا الحديث حتى عرَّفني إياه فلان، فأخجل] (٣).

وجرى بين يديه بحثٌ في مسألةٍ، فخالف فيها فقيه مالكي، وادَّعى الإجماع، فقال له الوزير والجماعة: خالفْتَ. وهو لا يرجع، فقال له الوزير: أحمارٌ أنت، أَمَا ترى الجماعة يخالفونك. ثُمَّ ندم الوزير على قوله، وقال: هذا لا يليقُ بالأَدب، ولا بُدَّ أن تقول لي كما قلتُ لك، وما أنا إلَّا كأحدكم. فارتفع بكاءُ الجماعة، وأخذ الفقيه المالكي يعتذر ويبكي، والوزير يبكي، ويقول: القِصاص القِصاص. فقال يوسف الدِّمشقي [للوزير] (٤): القِصاص أو الفِدْية، فقال الوزير: له حُكْمه. فقال الفقيه: نعمك عليَّ كثيرة، فأي حكم بقي لي؟ فقال: لا بُدَّ. فقال: عليَّ مئة دينار دَين. فأعطاه إياها [فرضي] (٤).

وكان في وزارته يتأسَّفُ على ما مضى من زمانه، ويندم حيث دخل في الدُّنيا، ويقول: كان عندنا في القرية نخلة في مسجدٍ تحمل ألف رطل تمرًا، فكان أخي محبِّ


(١) "المنتظم": ١٠/ ٢١٥.
(٢) أخرج مسلم (٧٤٧)، وأبو داود (١٣١٣)، والترمذي (٥٨١)، والنسائي في "المجتبى": ٣/ ٢٥٩ و ٢٦٠، وابن ماجه (١٣٤٣) من حديث عمر بن الخطاب مرفوعًا "من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل". وهذا لفظ مسلم.
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش). وانظر "المنتظم": ١٠/ ٢١٥.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).