للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهاء الدولة، ففعل مثلَ ذلك، ووقف من الجانب الأيسر، وأنشد الشعراء، وعرَّضَ بعضُهم بغمز صَمْصام الدولة، فأنكر شرفُ الدولة ذلك، وقام من المجلس.

ولم يُعرَفْ لصَمْصام الدولة خبرٌ بعد هذا الموقف، فقيل: إنه حُمل إلى فارس، فاعتُقل في قلعة، وكُحِّل، ثم أُعيدَ إلى المُلكِ بفارس، وسنذكره إن شاء الله تعالى، وكانت مدة إمارته بالعراق ثلاث سنين وأحد عشر شهرًا.

وفيها تُوفِّي

أبو القاسم المظفَّر

ابن علي، الملقَّب بالموفق، أمير البَطِيحة (١)، واستقرَّ الأمر بعده لأبي الحسن علي بن نصر بعهدٍ من أبي القاسم، فبعث إلى شرف الدولة يبذل الطاعة، ويسأل الخِلَع والتقليد، فأُجيب إلى ذلك، ولُقِّب: مهذَّب الدولة، فسار بالناس السيرةَ الجميلةَ، إلى أن عَظُم قَدْرُه، وسارَ ذِكْرُه، واستجار به الخائف فأجارَه، واستغاث به الملهوف فأغاثَه، واستعان به المديون فأعانَه، واستماحه الضعيف فأماحَه، واعتصم به المطلوب فعَصَمَه، وصارت البَطِيحة معقلًا لكلّ مَنْ قصدها من أميرٍ ووزيرٍ وعاملٍ ومتصرِّف، وسلك بالناس طريقة العدل والنَّصَفة والحراسة والصيانة، وحسن التفقد والضيافة، فأمِنَتِ السابِلة، وسار التجار آمنين، واتسعت التجارات والبياعات، وصار إليه الأكابر من أصحاب السلطان، فبنَوا عنده الدور، وشيَّدوا القصور، وابتاعوا الضياع، واقتنوا العقار، وخدموه خدمة الملوك، وقصده الشعراء والمسترفدون من أداني البلاد وأقاصيها، فحقَّق آمالهم، وأوسَعَ في العطاء لهم، وزوَّجه بهاءُ الدولة ابنتَه، ونقلها إليه، واستعان به في عدة أوقات فأعانَه، واستقرضَ منه فأقرضَه، وخطب له بواسط والبصرة، وكاتبَه ملوكُ الأطراف، وشاع اسمُه في الدنيا بالخيرِ الذي أفاضَه، والجميلِ الذي أظهرَه، وتصرَّفت به الأمورُ على ما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى.


(١) البَطيحة: أرض واسعة بين واسط والبصرة. معجم البلدان ١/ ٤٥٠.