للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن عباس: اختتن وهو ابن عشرين ومئة سنة، وقيل: ابن ثمانين.

فصل في حمل إبراهيم إسماعيل وأمَّه إلى مكة على البراق

قال ابن إسحاق: إسماعيل أكبر ولد إبراهيم، ولما دفعت سارَة هاجر إلى الخليل أولدها إسماعيل، فغارت سارَة وحلفت أن لا تساكنها، ولتقطعنَ بَضْعة منها، فقال لها الخليل: اخفضيها، فخفضتها، أي: ختنتها.

وقال السُّدي: لما حلفت سارَة أن لا تساكنها في بلد حملها إبراهيم وابنها إلى مكة على البراق (١)، وقد ذكر البخاري القصَّة فقال: حدثنا عبد الله بن محمَّد عن أيُّوب السَّختياني وكثير بن المطلب ابن أبي وَدَاعة -يزيد أحدهما على الآخر- عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أوَّل ما اتخذ النساء المِنْطَقَ من قِبَلِ أمِّ إِسماعيل، اتخذته لتعفِّي أثرَها على سارَة، فجاء بها إبراهيم وبابنه إسماعيل، وهي ترضعه، حتى وَضعَها عند البيتِ عند دوحةٍ فوقَ زمزمَ في أعلى المسجدِ، وليس بمكَّة يومئذٍ أحدٌ ولا ماء، وَوَضع عندهما جِرَابًا فيه تمرٌ، وسِقاء فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقًا، فتبعته هاجر فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتدعنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيسٌ ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وهو لا يلتفتُ إليها، فقالت: آللهُ أمَرَك بهذا؟ قال: نَعَم، قالت: إذًا لا يُضَيِّعنا.

ثم رجعت وانطَلَق إبراهيم نحو الشَّام، حتى إذا كانَ عند الثَّنية حيثُ لا تراه ولا يَراها استَقبَلَ البيتَ بوجهِهِ، ثم دعا بهؤلاءِ الدَّعواتِ، ورفع يده وقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ إلى قوله ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧] وجعلت أمُّ إسماعيل تُرضع ابنها وتشربُ من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السِّقاء عطِشَت وعطِشَ ابنُها، وجعلت تنظرُ إليه يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصَّفا أقربَ جبل في الأرض يَليها، فقامَت عليه ثم استقبلت الواديَ تنظرُ هل تَرى أحدًا، فلم تَرَ أحدًا، فهبَطَت من الصَّفا، حتى إذا بَلَغت الوادي رَفَعت طَرَف دِرْعِها ثم سعتْ سعي الإنسان المجهود حتى جاوَزَت الواديَ، ثم أتَت المَرْوَة


(١) انظر تاريخ الطبري ١/ ٢٥٣ - ٢٥٤، والمنتظم ١/ ٢٦٥.