وبين النَّاس سرادق وهم يصلون خلفه بصلاته، وجلس رئيس الرؤساء للعزاء ثلاثة أيام، وحضر أرباب الدولة، ومنع القائم من ضرب الطبول ثلاثة أيام، وكذا السلطان، فلمَّا كان اليوم الرابع حضر عميد الملك وزير السلطان بين يدي القائم، وأدَّى عن السلطان رسالةً تتضمَّن التعزيةَ والسؤال بقيام الوزير والجماعة من مجلس التعزية، فقاموا، ثم حُمِلَ تابوتُه بعد ذلك إلى الرُّصافة.
[السنة الثامنة والأربعون وأربع مئة]
فيها من أول هذه السنة ابتدأ أبو الحسن محمَّد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتب -ويُسمَّى غرس النعمة- تاريخَه وذيلَه على تاريخ أَبيه هلال، وزعم أن تاريخ أَبيه انتهى إلى هذه السنة، فقال: وفي أول سنة ثمان وأربعين وأربع مئة يوم الخميس عقد عميد الملك أبو نصر منصور بن محمَّد الكُنْدُري وزيرُ السلطان رُكنِ الدين طُغْرُلْبَك أبي طالب محمَّد بن ميكائيل بن سلجوق لتاج الملوك أبي كاليجار هزارسب بن بَنكير بن عياض الكردي على ضمان البصرة والأهواز وأعمالها لهذه السنة، بثلاث مئة أَلْف دينار وستين ألفًا، وأُطلِقَتْ يدُه في جميع الإقطاعات والمعاملات بالبصرة وخوزستان، وأُقطِعَ أَرَّجان، وأُذِن له في ذكر اسمه في الخطبة بهذه الأعمال دون غيرها، وعرَفَ الدَّيلم البصرية والخوزستانية الواردون إلى باب طُغْرُلْبَك، فقلقوا، فقال السلطان: يفعل تاج الملوك فيها ما يراه. فانصرفوا وقد يئسوا، وثقُلَ ذلك على الأمير أبي علي بن أبي كاليجار بن بُوَيه؛ لأنه كان ورد باب السلطان مؤمِّلًا لذلك، وراسل السلطان بزوجته وولده بحكم قرابتهما منه، وكان السلطان قد زوَّج أخاه فلم يُجِبْه، وعوَّضه قُوماسين إقطاعًا عوضًا مما أخذ منه، وخرج جماعة من الغلمان البغدادية إلى البساسيري، فغمز عليهم، فكمن لهم خُمارتِكين الطُغْرُلْبي خادمُ السلطان ومعه جماعة بأمر رئيس الرؤساء، فقتلوهم وكانوا أكثر من عشرين من الأعيان والمُقدَّمين، فلم يُفْلِتْ منهم إلَّا قليل، ولم يتجاسر أحدٌ من أهل المُقتَّلين بقربهم من رئيس الرؤساء، فغُسِّلوا في سقاية بباب الأزج ودُفنوا.