فيها وصل عضد الدولة إلى الأهواز، فقرَّر أمورَها ورتَّب الحُماةَ في طُرُقها، وسار إلى البصرة لخمسٍ بقين من المحرَّم وقد انصرف أبو كاليجار مَرْزبان بن عز الدولة، فوجد الفتنةَ قائمةً بين مُضَر وربيعة، فنظر في ذلك، وما زال حتى ألَّف بين القبيلَتَين، وضَمِن بعضُهم بعضًا، وكتب بينهما كتابَ اتِّفاق، وأصلح بينهما، فانْحَسَمت موادُّ الفتنة، وسار إلى واسط فدخلها في ربيع الأول، فعمل كما عمل في الأهواز والبصرة.
وفيها توفي يوسف بن الحسن الجَنَّابي، وسنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ما نقله عز الدولة بعد دخوله بغداد حتى خرج عنها:
ولما دخل عز الدولة بغداد تجدَّد لابن بقية طَمعٌ في أن يُراسِلَه، وبذل له ثلاث مئة ألف دينار يُصَحّحها من كُتَّابه وأسبابه ومن باقي النواحي إذا رَدَّه إلى وزارته، وأن يقومَ بالحرب وتدبير الجيش، وبلغ أصحاب عز الدولة والقُوَّاد الذين كانوا أشاروا بالقبض عليه، فقالوا لعز الدولة: إنما هذا طَمَعًا للخلاص مما هو فيه، فإذا مَلك نفسَه أثار الفتنة وقلب الدولة، ولا يؤمَن أن يواطئ عضدَ الدولة عليك وعلينا، فقال: ما الرَّأي؟ قالوا: حَسْمُ مَوادّه بسَمْله، فسَمَله في ربيع الأول.
ثم استشار قُوَّادَه في المقام ببغداد أو الخروج عنها، فأشار بعضُهم بالثَّبات، وقال بعضهم: نَجمعُ عسكرنا، ونقصد الأهواز مُخالفين لعَضُد الدولة، ونقصد بلادَ فارس، فإذا عاد إلينا عُدنا إلى بغداد.
فبرز بعسكره إلى باب الأَزَج، وعقد جسرًا هناك، وتردَدَّت الرسائل بينه وبين عضد الدولة على أن يُسلِم إليه بغداد، ويَدخلَ في طاعته، ويُقيمَ في كَنَفه، أو يخرج إلى الشام فيفتح البلاد، فقال: أخْرُجُ إلى الشام، وتقرَّر الأمرُ بينهما على هذا، وشَرَط عليه عضد الدولة أن لا يَتعرَّض لبلاد أبي تَغْلب بن حَمْدان إلا مُختارًا في أعماله، وكان قَصْدُ عضد الدولة تأييسَ أبي تَغْلِب (١)، فقال: نعم.
(١) في الكامل ٨/ ٦٩١ أن ذلك لمودة ومكاتبة كانت بين عضد الدولة وأبي تغلب.