للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في مناظرته لنمرود]

قال علماء السير: لما ألزمهم إبراهيم الحجَّة حملوه إلى نمرود، وقالوا: هذا فعل بآلهتنا، وقال لنا كذا وكذا.

وأصل حاجَّ من الحجة، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٥٨] وهل كانت هذه المناظرة بعد أن ألقي في النار أم عقيب كسر الأصنام؟ فيه قولان.

وقال مقاتل: لما كسر الأصنام حبسه نمرود سبع سنين ثم أخرجه فناظره، فقال: من ربك؟

وقال أحمد بإسناده عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان الناس يخرجون فيمتارون الطعام من نمرود، وكان كلُّ من مرَّ بنمرود يقول له: من ربك؛ فإن قال: أنتَ مَارَهُ، وإن لم يعترف لم يعطه شيئًا، فمر به إبراهيم فقال: من ربُّك؟ فقال: ﴿الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] فردَّه، فرجع وأجماله فارغة، فمرَّ على كثيب رمل أعفر فقال: آخذ منه لئلا أرجع إلى أهلي بغير شيء، فأخذ منه، فلمَّا دخل البيت نام، وكان ليلًا، فقامت امرأته إلى جوالق ففتحته فإذا دقيق حُوَّارى، فخبزت منه، فلمَّا استيقظ رأى الطعام، فحمد الله وفطن، ثم ناظر نمرود بعد ذلك (١).

قوله تعالى: ﴿إِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] هذا جواب نمرود لما قال له: مَن ربُّك؛ فكان جواب سؤال سابق غير مذكور، فقال نمرود: ﴿قَال أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] قال ابن عباس: دعا برجلين قد استوجبا القتل، فقتل أحدهما واستبقى الآخر، فسمَّى تركَ القتل إحياءً، وهذا من جهله لأنَّ ترك القتل لا يسمّى إحياءً، بل الإحياء يكون بعد الموت. قال إبراهيم: ﴿قَال إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ أي: دهش وتحيَّر وانقطعت حجَّته ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٨] بترك الحجَّة.


(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٥/ ٤٣٣ (شاكر)، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٢/ ٣٢٠ (مخطوط)، ولم أقف عليه عند أحمد.