الضيافة، وأعد فيها الدقيق والسمن والعسل وغيره، وجعل بين مكة والمدينةَ مَن يحمل المنقطِعين من ماء إلى ماءٍ حتى يوصلوهم إلى البلدِ.
فصل: وفيها غزا خالد بن الوليد وعياض بنُ غَنْم دَرْبَ الروم، وأوغلا فيه، وعادا بالغنائم والسبايا، وبلغ أهلَ الآفاق فانتجعوا خالد بن الوليد، منهم الأشعث بن قيس، فأجازه خالد بعشرة آلاف درهم، وكان عمر له عُيونٌ على عُمّاله وأمرائه، يكتبون إليه بما يكون منهم، فكتب إلى أبي عبيدة أن يُقيم خالدًا، ويَعقِله بعمامته، وينزع عنه قَلنسوته، حتى يُقرّ من أين أجاز الأشعث بن قيس، فإن زعم أنه من ماله فقد أسرف، وإن زعم أنه من مال أصابه من الدَّرْبِ فقد باء بخيانة، فاعزِلْه على كلّ حال.
فكتب أبو عبيدة إلى خالد فقدِم، وجمع له الناس، وقام البريد الذي حمل كتاب عمر على المنبر فقال: يا خالد، من أين أجزْتَ الأشعث بن قيس، أمن مالك، أم من مالٍ أصبتَه من بلد العدو؟ وخالد لا يتكلّم، فقام بلال فقال: إن أمير المؤمنين أمر أن تُعقَل بعمامتك، وتناول عمامته فنفضها، ووضع قَلنْسوَته، ثم عقله بعمامته وقال: ما تقول؟ قال: هو من مالي، فأطلقه، وأعاد قَلنْسُوَته، ثم عمَّمه بيده.
وفي روايةٍ أن عمر كتب إلى أبي عُبيدة: فإن اعترفَ أنه من ماله فقد أسرف، فاعزلْه وضُمَّ ما في يده إلى يدك من العمل، وكذا إن أقرَّ أنها ليست من ماله.
وكان خالد بقِنَّسرين، فكتب إليه فحضر، ولما قام إليه بلال ليعقله قال له: يا عبدَ بني جُمَح ما هذا؟ فقال له أبو عبيدة: إن كتاب عمر ورد بكذا وكذا، فقال: يا عامر، هي من مالي، فأعاد إليه قَلنسوته وعمامته، ولم يخبره أبو عبيدة أنه قد عزله حياءً منه، وأقام متحيِّرًا، فخرج من الشام فقَدم على عمر فقال له: واللَّه يَا عمر لقد شكوتُك إلى اللَّه والمسلمين؛ فإنك غيرُ مُجملٍ في أمري، فقال له عمر: من أين هذا الثراءُ؟
فقال: من الأنفال والسُّهمان، فقدَّم أموالَه فكانت عشرين ومئة ألفٍ، فأدخلها عمر في بيت المال، ثم عَوَّضه عنها.
وكتب عمر إلى الأمصار: لم أعزل خالدًا عن خيانة، ولكن الناس فُتِنوا به، فخفتُ أن يُوكلوا إليه، فأحببت أن أُعلِمهم أن اللَّه هو الصَّانع، فقال خالد: واللَّه ما به إلا النَّفاسة على الصِّيت والذكر، وواللَّه لا وليتُ له ولاية أبدًا، وخرج إلى الشام، فاعتزل