للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعث إليهم محبد الله بن عباس وكنتُ معه، فلما تَوَسَّط عسكرَهم قام ابنُ الكَوّاء فقال: يا حَملَة القرآن، هذا ابن عباس الَّذي نزل [فيه و] في قومه: ﴿قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف: ٥٨] رُدُّوه إلى صاحبه، ولا تُواضعوه كتابَ الله، فقام خطباؤهم فقالوا: والله لنُواضِعَنّه كتابَ الله، فإن جاء بحقٍّ نعرفه لنَتَّبِعَنّه، وإن جاء بباطلٍ لنُبَكِّتَنَّه بباطله، فواضعوا عبد الله الكتابَ ثلاثةَ أيّام، فرجع منهم أربعة آلافٍ كلُّهم تائب، منهم ابن الكَوَّاء، حتَّى أدخلهم علي الكوفة، وبعث إلى بقيَّتهم يقول: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقِفوا حيث شئتم، حتَّى تجتمع أمّةُ محمد ، وبيننا وبينكم أن لا تسفِكوا دمًا حرامًا، ولا تقطعوا سبيلًا، ولا تظلموا ذِمَّةً، فإن لم تفعلوا فقد نَبَذْنا إليكم الحربَ على سواء، إن الله لا يُحبُّ الخائِنين.

فقالت عائشة: يا ابنَ شَدّاد، فقد قتلَهم؟! فقال: والله ما فعل حتَّى قَطعوا السّبيل، وسفكوا الدّمَ الحرام، واستحلُّوا أهلَ الذِّمَّة، فقالت: الله؛ قال: آلله الَّذي لا إله إلا هو لقد كان ذلك، فقالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق؟ يقولون: ذو الثَّدي، وذو الثّدي، قال: قد رأيتُه، قمتُ مع علي [عليه] في القتلى، فدعا الناس فقال: أتعرِفون هذا؟ ما أكثر من جاء يقول: قد رأيتُه في مسجد بني فلان يصلي، قالت: فما قال علي حين وقف عليه؟ قال: سمعتُه يقول: صدق الله ورسولُه، فقالت: يرحم الله عليًّا، إنه كان إذا رأى شيئًا يُعجبه قال: صدق الله ورسوله (١)، فيذهبُ أهلُ العراق يكذِبون عليه، وَيزيدون في الحديث.

ذكر رجوع أمير المؤمنين من النهروان إلى النُّخَيلَة

قال أبو مخنف عن أشياخه: إن عليًّا لما فرغ من أهل النهر حَمِد الله وأَثنى عليه ثم قال: إن الله قد أحسن إليكم، وأعزَّ نُصرَتكم، فتوجَّهوا من فوركم هذا إلى قتال عدوِّكم، فقالوا: با أمير المؤمنين، نَفِدَت نِبالُنا، وكَلَّت سيوفُنا، ونَصَلَتْ أسِنَّة رِماحنا، فارجع بنا إلى المِصر، فلنَسْتَعِدّ بأحسن عُدَّة، فإنه أقوى لنا على عدوّنا. وكان


(١) من قوله: صدق الله ورسوله، قبل سطر، إلى هنا ليس في (خ). والحديث في مسند أحمد (٦٥٦)، وتاريخ دمشق ٣٩٦ - ٣٩٧ (عبادة - عبد الله)، وما بين حاصرتين منهما.