للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الثانية عشرة وثلاث مئة]

فيها في يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم عارض أبو طاهر بن أبي سعيد الجَنَّابي قافلةَ الحاج قريبًا من الهَبير، وسنُّه يومئذٍ سبع عشرة سنة، وهو في ألف فارس وألف راجل، وكان في القافلة أبو الهَيجاء عبد الله بن حَمْدان -وطريق مكة وبَذْرَقةُ (١) الحاج إليه- وأحمد بنُ بدر عمُّ السيدة والدةِ المقتدر، وشقيق (٢) خادم السيدة، وجماعة من الأعيان، فأسَرَهم أبو طاهر، وأخذ الأموال والجمال، والنساء والرجال والصبيان، وسار بهم إلى هَجَر، وترك باقي الحاج مواضعَهم بغير زادٍ ولا رَواحل، فمات أكثرُهم بالعطش والحفاء.

وبلغَ الخبرُ إلى بغداد فانقلبَت من الجانبَين، وخرج النساءُ مُنشرات الشعور، مُسَودات الوجوه، يَلْطِمْنَ ويَصْرُخن في الشوارع، ثم انضاف إليهم حُرَمُ الذين نكبَهم ابنُ الفرات، فكانت صورةً شَنِعةً لم يُرَ مثلُها.

وبلغ المقتدرَ الخبرُ، فضعُفَ أمرُ ابن الفرات، واستدعى نصرًا الحاجب فأدخله في المُشاورة، وتمكَّن منه نصرٌ وقال له: الساعةَ تقول أيُّ شيءٍ ترى، بعدَ أنْ زَعزعت أركانَ الدولة وعرَّضْتَها للزَّوال بإبعادك لمؤنس الذي كان يُناضلُ الأعداء ويدفعُ عن الدولة، ومَن لنا الآن بدَفْع هذا الرجل عن الحَضْرة؟ ومَن الذي أسلَم رجال السلطان وخَدَمَه وقُوَّادَه إلى القرمطي سواك؟ وقد ظهر الآن أمرُ الرجل الأعجمي الذي وُجد في دار السلطان، أنَّه كان صاحبًا للقرمطي [وأنت أوصلْتَه] (٣).

ثم التفت نصر إلى المقتدر، وأشار عليه بمكاتبة مؤنس، والتَّعجيلِ به إلى الحضرة، فأمر أن يُكتب إليه بالقدوم، فلمَّا خرج مِن عند المقتدر سألَ ابنُ الفرات نصرًا أن لا


(١) البذرقة: الخُفَارة، والمبذرق الخفير. القاموس المحيط (بذرقة).
(٢) في (م ١) و (ت): وسبعين.
(٣) ما بين حاصرتين زيادة من الكامل ٨/ ١٤٨، وانظر ما لم ينشر من أوراق الصولي ١٤٠، وتحفة الأمراء في تاريح الوزراء ٤٢، وصلة الطبري ١٠٣، وتكملة الطبري ٢٤٢، والمنتظم ١٣/ ٢٣٩، وتاريخ الإسلام ٧/ ٢٠٧ - ٢٠٨.