للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: قال لي الجُنيد: يا أبا محمد، ما معنى قوله : "أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ ولا فَخْر"؟ (١) قلتُ: معناه: أنَّني لا أفتخرُ بالعطاء، بل أفتخر بالمعطي، فقال: أحسنتَ.

وسئل الجريري عن قوله تعالى: ﴿يَاليتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ [مريم: ٢٣] فقال: الخواصُّ لهم إشْراف على ما يَتَجَدَّد من الحوادث، فلمَّا ولدت مريمُ عيسى أشرفَت على ما سيكون، فغمَّها أنْ يكونَ منها ما يُنسَب إلى الربوبية، فقالت: يا ليتني متُّ قبل أنْ أحملَ بمَن يتَّخذُه الناس إلهًا، فأنطق الله عيسى فقال: إنّي عبد الله آتاني الكتاب، والعبدُ لا يكونُ إلهًا.

ومما أنشد الجريري: [من الكامل]

قِفْ بالدِّيار فهذه آثارهم … تبكي الأحبَّةَ حَسْرةً وتَشَوُّقا

كم قد وقفتُ بها أسائلُ مُخبِرًا … عن أهلها أو صادقًا أو مُشْفِقا

فأجابني داعي الهوى في رَسْمها … فارقْتَ مَن تَهوَى فعَزَّ المُلتقى

وأنشد أيضًا: [من الطويل]

شكرتُكَ لا أنِّي أُجازيك مُنْعِمًا … بشُكري ولكن كي يقال له شُكْرُ

فأذكرُ أيامي لدَيك وحُسْنَها … وآخرُ ما يبقى على الذَّاكرِ الذّكْرُ

ذكر وفاته (٢):

حكى الخطيبُ، عن السُّلَمي، عن أبي سعيد الرَّازي قال: تُوفّي الجريري في سنة وقعة الهَبِير، وكانت في سنة إحدى عشرة وثلاث مئة.

قلتُ: وقد اختلفوا في وقعة الهبير على قولَين: أحدهما -: أنَّ القِرمطي عارضهم في سنة إحدى عشرة وثلاث مئة، والثاني: في سنة اثنتي عشرة.

وحكى الخطيب عن أحمد بن عطاء الرُّوذَباري أنَّه قال: مات الجريري سنة الهَبِير، فاجتَزْتُ به بعد سنة، وهو مستندٌ جالسٌ ورُكبتُهُ إلى صدره، وهو يشير إلى الله تعالى بأُصبعه (٣).


(١) أخرجه أحمد من حديث ابن عباس (٢٥٤٦).
(٢) جاءت وفاة الجريري في (خ) مختصرة، فأثبت سياق (ف م ١) لوضوحه وتمامه.
(٣) بعدها في (ف): والحمد لله وحده، وصلى الله على أشرف خلقه محمد وآله وصحبه وسلم.