للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عقركَ القيدُ، لقد نقضتَ الخلافةَ، وأثرت فتنة عظيمةً. ومات ابن مارمَّة فِي تلك الأيام.

ولمَّا نزل المستعين بغداد تلقَّاه محمد بن [عبد الله بن] طاهر وقبَّل الأرض بين يديه، وقال: أنا العبد الأصغر، وأنزلَه فِي داره، وذلك يوم الأربعاء لأربع خلون من المحرم.

ونزل وصيف وبغا وبعضُ الترك، فدخلوا على المستعين، وتذلَّلوا وخضعوا، وسألوه العفوَ عنهم، فقال لهم: أنتم أهلُ بغي وفساد، وبَطَرٍ وظلم، وأَشَرٍ واستقلالِ النعم، ألم ألحق أولادكم بكم فِي العلاء (١)؟ وهم نحو ألفي غلام، وألحقت بناتكم بالمتزوِّجات؟ وهنَّ نحو من أربعة آلاف امرأة، وفعلتُ معكم وفعلت، وأنتم تزدادون بغيًا وفسادًا وتهدُّدًا. فبكوا وتضرَّعوا وقالوا: أخطأنا ونسأل العفوَ عنا، فقال: قد صفحتُ عن زلَّتكُم، وعفوتُ عنكم، فقالوا: إن كنت قد عفوتَ عنَّا فاركب معنا إلى سامراء، فإنَّ الأتراكَ ينتظرونَك، فقال لهم محمد بن [عبد الله بن] طاهر: هكذا تقولون لأمير المؤمنين: قم فاركب معنا! فضحكَ المستعين وقال: هؤلاء قومٌ عجمٌ ليس لهم معرفةٌ بحدود الكلام، وقال لهم المستعين: ارجعوا إلى سامراء حتَّى أنظرَ فِي أمري وأعود، فانصرفوا يائسين منه، وأجمعوا على إخراج المعتزّ من الحبس، وأن يبايعوه، وكان المعتزُّ والمؤيَّد فِي الجَوْسَق فِي حجرةٍ صغيرة محبوسَين (٢).

[ذكر بيعة المعتز البيعة الأولى]

ولمَّا عادُوا من بغداد أخرجوا المعتز، وبايعوه بعد انحدار المستعين إلى بغداد بثمانية أيام، وكان المستعين لمَّا خرج من سامراء خلَّفَ فِي بيت المال خمس مئة ألف دينار، وفي بيت مال أمه ألف ألف دينار، فأخذَها المعتزُّ وفرَّقها فِي الأتراك، ثمَّ بايعوا المعتزَّ، ومن بعده لأخيه إبراهيم المؤيَّد، وأكَّدُوا العهودَ على الناس وعلى المعتزِّ لأخيه المؤيَّد، وكان فيمن حضَر البيعةَ أبو أحمد بن الرشيد محمولًا فِي مِحَفَّة (٣)؛ لأنَّه كان به نِقْرِس، فامتنعَ وقال للمعتز: خرجت إلينا خروجَ طائع فخلعتَها، وزعمتَ أنك لا تقومُ بها، ثُمَّ تقول اليوم: بايعوني، فقال المعتز: أكرهتُ وخفتُ السيف، فقال


(١) كذا فِي (خ) و (ف). ولعلها: العطاء.
(٢) تاريخ الطبري ٩/ ٢٨٣ - ٢٨٤، وما سلف من حاصرتين منه.
(٣) المحفَّة: مركب للنساء كالهودج، إلَّا أنها لا تقبب.