للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين يدي مَن يقدر على ذلك. فانصرف عنه ذو القرنين باكيًا (١).

ذكر واقعة جرت له مع أمِّه

حكى السدِّي عن أشياخه قال: كانت أمُّ الإسكندر عاقلة فاضلة حازمة، واسمها روفية -وقيل: روقية بالقاف- فلما فتح ولدها الدُّنيا ودانت له الملوك كتبت إليه: من روفية أمِّ الإسكندر الضعيف الذي بقوَّة ربِّه الأعظم قوي، وبقدرته قهر، وبعزَّته استعلى، يا بنيَّ، لا تدع للعجب فيك مساغًا، فإن ذلك يؤذيك، ولا للعظمة والكبرياء فيك مطمعًا فإن ذلك يضعك، وذلِّل نفسك للذي رفعك، وأعلم أنك عن قليل محوَّل عمَّا أنت فيه كما تَحَوَّلَ من غيرك إليك، وإيَّاك والشُّحَّ فإنَّه يرديك، وعليك بنور العدل فإنَّه يهديك، وانظر ما جمعت من الأموال وكنزت من الكنوز فعجِّلْ حمله كله إليَّ على فرس مع رجل، وإيَّاك والعقوق المحرمة عليك، والسَّلام.

فلمَّا قرأ كتابها جمع أرباب دولته وعظماء مملكته وحكماء حضرته، وقرأ عليهم كتابها وقال: سمعًا وطاعة، فإنَّ طاعة الوالدة مفترضة، والسَّمع والطَّاعة للربِّ الأعظم ولها، ثم قال: كيف أحمل إليها أموالي وكنوزي على فرس؟ فاستعظموا ذلك فقال: إنَّما طلبت أسماء الكنوز وعددها، فكتب أساميها وبعث بها إليها مع رجل على فرس، فلمَّا قرأت كتابه فرحت حيث فهم قصدها (٢). قال وهب: فإن ذلك الكتاب عندهم مكتوب في خزائن الروم، فيه أسامي كنوزه وأمواله.

[فصل في ذكر ما بنى من المدائن]

قد ذكرنا أنَّه بنى الإسكندرية وهَرَاة وسمرقند ومرو وهَمَذَان وبرج الحجارة والدَّبُوسِيَة. وقد روي في مرو حديث، قال أحمد بن حنبل: حدَّثنا الحسن بن يَحْيَى من أهل مرو بإسناده عن سهل بن عبد الله بن بُريدةَ عن أبيه عن جدِّه قال: سمعت رسول الله يقول: "ستكونُ بَعدِي بعوثٌ كثيرةٌ، فكونُوا في بَعثِ خُراسانَ، ثم انزِلُوا مدينةَ


(١) انظر "المنتظم" ١/ ٢٩٨ - ٢٩٩.
(٢) انظر "المنتظم" ١/ ٢٩٣.