للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له. فقاموا وفتَّشوا، فلم يروا أحدًا، فقال: أنشدنا أخرى، فأنشده ثالثة، فقال: هذه لك؟ قال: نعم. فصاح ذلك الصَّوت بعينه: يكذب، ما هي له، فقال له الأبله: فخبِّرْه ما هي لي، فلمن هي؟ فقال: لي. قال: ومَنْ أنتَ؟ قال: شيطانك الذي أعلمك قول الشِّعْر، فقال له: صَدَقْتَ، والله يحفظك عليَّ، ولا يفرق بيني وبينك.

وقال أبو الدر الرُّومي الشَّاعر: مَرِضَ الأَبْله، فدخلت [عليه] أعوده، فقال: ما بقيتُ أقدر أنظم شيئًا. قلتُ: فما سببه؟ قال: لا شك أَنَّ تابعي قد مات، وتوفي بعد ذلك في جُمادى الآخرة، وترك ثلاثة آلاف دينار.

[قلت: والدليل على صحة هذه الحكاية قول الشاعر: [من الرجز]

إني وكلُّ شاعرٍ من البَشَرْ … شيطانه أنثى وشيطاني ذكرْ] (١)

السنةَ الثَّمانون وخمس مئة

[وفيها كتب زين الدين ابنُ نُجَيَّة الواعظ من مصر إلى صلاح الدين يشوِّقه إليها، وكان السلطان بدمشق، قال: أدام الله أيام مولانا السلطان الملك الناصر، وقرنها بالتأييد والنَّصر والتسديد، أترى ما يشتاق مولانا إلى مصر ونيلها، وخيرها وسلسبيلها، ودار مُلْكه ودارة فلكه، وبحرها وخليجها، ونشرها وأريجها، ومقسم مقاسمها، وأُنس إيناسها، وقصور مُعِزِّها ومنازل عِزِّها، وجيزتها وجزيرتها، وبَرَكتها وبِرْكتها، وتعلق القلوب بقَلْيُوبها، واستلاب النفوس بأسلوبها، وملتقى البحرين، ومُرْتقى الهرمين، وروضة جِنانها، وجَنَّة رِضْوانها، ومشاهدها ومجامعها، ومساجدها وجوامعها، ونواظر بساتينها، ومناظر ميادينها، وساحات سواحلها، وآيات فضائلها.

وذكر ابن نُجية كلامًا طويلًا من هذا الجنس.

فكتب إليه السلطان: ورد كتاب الفقيه زين الدين -أدام الله توفيقه- لا ريب أن ساكن الشام أفضل، وأن أجر ساكنه أجزل، وأن القلوب إليه أميل، وأن زلاله البارد أعل وأنهل، وأن الهواء في صيفه وشتائه أعدل، وأن الجمال فيه أجمل، والجمال به أكمل، وأن القلب به أروح، والروح به أقبل، ودمشق فعاشقها مستهام، وما على


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).