للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ذي الحجة مات ابنُ ملك الألمان، واسْتُشْهد بعكا من المسلمين جماعةٌ، منهم جمال الدين محمَّد بن أرككز، خرج في شأني يقاتل، فأحاطت به مراكبُ الفرنج، وعرضوا عليه الأمان، فقال: ما أضع يدي إلا في يد مقدَّمكم الكبير. فجاء إليه المقدَّم الكبير، فأخذ بيده وعانقه، وألقى نفسه وإياه في البحر، فغرقا.

وفيها: تسلَّم السلْطان [صلاح الدين] (١) الشوبك بعد الحصار الشديد بالأمان.

وفيها ملك سيف الإِسلام صنعاء، وأعطاها لولده شمس الملوك الذي ادَّعى الخلافة.

وحج بالناس من بغداد طاشْتِكِين.

وفيها توفي

سعيد بن يحيى (٢)

أبو المعالي بن الدُّبَيثي، ولد سنة سبع وعشرين وخمس مئة، وقال: أنشدني عبد الله بن الحسن بن شبيب لنفسه: [من الطويل]

وأغيدَ لم تسمحْ لنا بوصاله … يدُ الدَّهْرِ حتى دَبَّ في عاجه النَّمْلُ

تمنيتُ لما اخْتَطَّ فقدانَ ناظري … ولم أرَ إنسانًا تمنَّى العمى قَبْلُ

ليبقى على مرِّ الزَّمانِ خيالُه … حيالي وفي عَيني لمنظرِهِ شَكْلُ

عبد الرَّشيد بن عبد الرَّزّاق الكرجي الصُّوفي (٣)

كان يتفقَّه ببغداد بدار الذَّهب، وكان وَرِعًا عاملًا عابدًا، وكان ببغداد رجلٌ يقال له: النَّفيس الصُّوفي، يضحك منه ويسخر به، وكان يدخل على الخليفة، فدخل يومًا مدرسة دار الذهب، فجعل يتمسخر، فقال له الكرجي: اتّقِ الله، نحن نبحث في العِلْم وأنت تَهْزِل! ما هذا موضعه. فدخل على الخليفة، وبكى بين يديه، وقال: ضربني الكرجي وعَيَّرني. فغضِبَ الخليفة وأمر بصَلْبه، فأُخرج وعليه ثوب أزرق [من ثياب


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) هو سعيد بن يحيى بن علي بن الحجاج، الواسطي المعروف بابن الدبيثي، له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ١/ ١٢٤، و "المختصر المحتاج إليه": ٢/ ٩٠.
(٣) ذكر قصته هذه نقلًا عن "مرآة الزمان" أبو شامة في "المذيل على الروضتين": ١/ ٩٩ - ١٠٠.