فيها غزا معاوية من مضيق القسطنطينية في عشرة آلاف من المسلمين، ومعه جماعةٌ من الصحابة ﵃، فوصل الخليج، ومعه زوجتُه فاختة بنت قرظة، وغنم المسلمون غنائم كثيرة، وتَحضَن الروُم منهم بالحصون، وعاد إلى دمشق.
وفيها غزا عبد الرحمن بن ربيعة بَلَنْجَر، وكان نازلًا قريبًا من باب الأبواب، وطلب من سعيد بن العاص المدد، فأمدّه بحَبيب بن مسلمة الفِهري، وأبطأ على عبد الرحمن ابن ربيعة المدد، فسار نحو بَلَنْجَر، فحصرها، ونصب عليها المناجيق، وبلغ التُّرك فقصدوه، وقتلوه ومعظمَ أصحابِه، فيقال: إن القوم أخذوا جسد عبد الرحمن فجعلوه في سَفَط من رُخام، وحملوه معهم، فكانوا يستسقون به.
وفيها سار عبد اللَّه بن عامر من البصرة إلى المشرق، فافتتح بلادًا كثيرة: الطَّالَقان وجُوزَجان وبَلْخ وطَخارِسْتان، وكان على مقدّمته الأحنفُ بنُ قيس، وقيل: إنما جَهَّز ابنُ عامر الأحنف، وأقام هو بالبصرة يُمدُّه بالمال والرجال، فنازل الأحنف مَرْورُوذ وضايقها، وإذا بفارس قد برز، فوقف بين الضَفَّين -وبيده كتاب- وقال: أنا رسول، فجاؤوا به إلى الأحنف، فأخذ الكتاب فقرأه، وإذا فيه:
من باذان مَرزبان مَرْو إلى أمير المؤمنين: إنّا نحمد اللَّه الذي بيده تغييرُ الدُّوَل، يَرفع مَن يشاء بعد الذُّل، وَيضع مَن يشاء بعد العزّ، إن الذي دعاني إلى مُوادَعَتك ما كان من إسلام جَدّي الهرمزان، وما كان من رأي صاحبكم فيه وإكرامه إياه، وقد دعوتكم إلى الصُّلح، وأن أُؤدّي إليكم في كل سنة ستين ألفَ ألفِ درهم خراجًا (١)، وتُقرُّوا بيدي ما كان مَلك الملوك كِسرى أقصعه جدّي الهرمزان.
فأجابه الأحنف إلى ذلك، وسار إلى بَلْخ، فصالحوه على أربع مئة ألف درهم، ثم عبر النهر، ووصل إلى خُوارِزْم، وهجم الشتاء، فقال لأصحابه: ما تَرون؟ فقال بعضُهم: قال عُمرو بن مَعدي كرِب: [من الوافر]