للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَنْ طلبَ المعالي وابتغاها … أدارَ لها رحى الحربِ العوانِ (١)

وكان للخطيب شيءٌ من المال، فكتب إلى القائم بالله: إذا مِتُّ كان مالي لبيت المال، وأنا أستأذن أن أُفرِّقه على من شئت، فأذِنَ له، وكان مئتي دينار، ففرَّقه في أصحاب الحديث، ووقف كتبه على المسلمين، وسلَّمها إلى أبي الفضل بن خيرون، فكان يُعيرها، ثم صارت إلى ابنه الفضل، فاحترقت في داره.

قال ابن طاهر: جاء جماعةٌ من الحنابلة يوم الجمعة إلى حلقة الخطيب بجامع المنصور، فناولوا حدَثًا صبيح الوجه دينارًا، وقالوا له: قِفْ بإزائه ساعةً وناولْه هذه الرُّقعة. فناوله الصبيُّ إيَّاها، وإذا فيها: بحقِّ الَّذي أعزَّ المعتزلة بابن أبي دؤاد، والجهمية بجهم بن صفوان، والكرامية بابن كرام، وأعزَّ بك الأشاعرة، قل لنا: أيش مذهبك؟ وكان الخطيب في أول أمره يتنسَّك ويتَّبع السنة ولا يتعرَّض لغير الحديث، وكان الحنابلة تعتقد فيه، فلمَّا خالط المتكلمينَ وأهلَ الباع مالوا عليه، وكانوا يعطون السَّقاءَ قطعة يوم الجمعة، فكان يقف من بعيد بإزائه، ويُميل نصفَ القِرْبة وبين يديه أجزاء، فيبلُّ الجميع فتتلف، وكانوا يُطيِّنون عليه باب داره في الليل، فربما احتاج إلى الغُسل لصلاة الفجر فتفوتُه، وقد قدح في جماعة من الأئمة، فقال: كان مالكٌ قليلَ الحفظ، والحسنُ البصريُّ وابنُ سيرين يقولان بالقدر، ومالك بن دينار ضعيف، ولم يثبت من لسانه إلا القليل.

[وفيها تُوفِّي]

حسان بن سعيد (٢)

ابن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن مَنيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، المخزومي، أبو علي، [المَنيعي] من أهل مرو الرُّوذ، كان في أول عمره يتشاغل بالدهقنة وخدمة الملوك، ثم عنَّ له فانقطع إلى الله تعالى والعبادة وسماع


(١) الحرب العَوان: التي قوتل فيها مرةً بعد مرة. المعجم الوسيط (عون).
(٢) المنتظم ١٦/ ١٣٥، وتحرف في (م) اسم سعيد إلى: حسان. قلت: وتنتهي النسخة (ف) بعد الكلمة التالية.