ذكرنا، وأعطاه آمِد، ثم ندم، فاستدعى جاريةً حسناء ودفع إليها منديلًا وقال: إذا كان أخي معك في ذلك الوقت فادفعي إليه هذا المنديل، ووعدها أن يتزوجها، وبعث بها إلى سعيد، فشغف بها شغفًا عظيمًا، فلمَّا كان معها في بعض الليالي ناولَتْه المنديل، فمسح به مذاكيره، فسقطت ومات، وعادت آمِدُ إلى نظام الدين، ولم يبقَ له منازع، وحصل أخوتُه وبنو عمه تحت حكمه.
[عبد الله بن محمد]
ابن عثمان بن الحسين بن قندس، أبو طالب، القاضي، أمين الدولة، الحاكم على طرابلس والمتولِّي عليها، كان عظيمَ الصدقة، كثيرَ المراعاة للعلويين، تفرَّد بذلك في زمانه، ولم يُدانيه أحدٌ من أقرانه، توفي في النصف من رجب، وتولَّى مكانه أبو الحسن بن أحمد الملقب بجلال الملك، ورمَّ البلد أحسن رَمّ.
وبلغه عن قوم من العلويين وابن الماسكي أحد وزراء المصريين، وكان قد هرب إلى طرابلس [أنهم] (١) قد حالفوا أبا الفتح عمَّه عليه، فنفاهم ونفى عمه، وقد مدحه أبو الفتيان القاضي بن عثمان، ورثاه وعزَّى جلال الملك فقال: [من الكامل]
ذُدْ بالعَزاءِ الهَمَّ في طَلِباتِهِ … لا تُسخِطَنَّ اللهَ في مَرضاتِهِ
لكَ مِن سَدادِكَ مُخبِرٌ بَلْ مُذكِرٌ … أَنَّ الزَّمانَ جَرى على عاداتِهِ
صَدَعَ القُلوبَ بما أتى مُستَيقنًا … أن لا يُذَمَّ وَأنتَ مِنْ حَسَناتِهِ
فَبَكاهُ ثَغرٌ كانَ عِصمَةَ أهلِهِ … ومَعاذَ قاصِدِهِ وعزَّ وُلاتِهِ
أَجناهُ رَبُّ العَرشِ غَرسَ فَعالِهِ … وقضى لهُ بالخُلدِ في جَنَّاتِهِ
صبرًا جلال الملكِ تحمَدُ غِبَّ ما … خُوِّلتَهُ فالصبرُ من آلاتِهِ
لا تُشعِرَنَّ الدهرَ أنَّكَ جازعٌ … من فِعلِهِ فيَلَجَّ في غَدراتِهِ
فلأنتَ مَجدُ مُلوكِ دهرِكَ فَليَعُدْ … عن قولِهِ من قال مَجدُ قضاتِهِ
ولقَد عَلِمنا أنَّ بَينَكُمُ الَّذي … لا تَرحَلُ العَلياءُ عن حُجُراتِهِ
(١) ما بين حاصرتين من (ب).