للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسُمي تُبَّعًا لكثرة أتباعه، وكسا البيتَ، وكان يعبد النارَ فأسلم، وأقام ملكًا ثلاثًا وثلاثين سنة، وقيل: ثمانين سنة. وهو تُبَّع الأوسط.

[فصل]

ثم ملك بعده تُبَّع الآخر، وهو أسعد بن كَليكَرِب، وقيل: حسان بن تبان، وقيل: هو ابن تُبَّع الأوسط وكُنيتُه أبو كرب.

وقال ابن سيرين: هو أوّلُ من كسا البيت، وملك الدنيا والأقاليمَ بأسرها.

وحكى ابن عساكر: أنه كان إذا عرض الخيلَ قاموا صفًا من دمشقَ إلى صَنعاء (١). وهذا بعيد.

وكان يغزو على النُّجوم، ويستضيء بها. وطالت مدته، وثَقُلَ على حِمْير من كَثرة ما كان يغزو بها.

ولما رجع من غزو المشرق، جعل طريقه على المدينة، وكان لمَّا مَرّ بها لم يَهِجْ أهلَها، وخلّف فيها ابنًا له فقتلوه غِيلةً، وبلغه؛ فرجع إليها، وهو مُجمعٌ على خرابها، واستئصالِ أهلها، وقطع نخيلها. فجمع له هذا الحيُّ من الأنصار، ورئيسُهم يومئذ عمرو بنُ طَلَّة أخو بني النجار، وجاء تُبَّع فنزل على المدينة، ولم يتعرَّض لها، فجاء رجل من أصحابه فصَعِد نخلةً لرجل من الأنصار، يُقال له: أحمر، فضربه الأنصاري بمِنْجَل فقتله، وألقاه في بئر. وبلغ تُبَّعًا فازداد حَنَقًا عليهم فقاتلهم، فكانوا يقاتلونه نهارًا، ويَقرونه في الليل العسلَ والتَّمرَ والبُرّ، فقال: ما رأيتُ أكرمَ من هؤلاء.

فبينا هو على ذلك إذ جاءه حَبْران من اليهود من بني قُرَيظة عالمان، فقالا: أيّها الملك، لا تقاتلْ هذا البلد، فإنا نجد في كُتبنا أن هذا المكان مُهاجَرُ نبيٍّ يَخرج من هذا الحى من قريش في آخر الزمان اسمُه محمد، فتكون المدينةُ دارَه وقرارَه، وإنا نَخافُ عليك العقوبة، فكفَّ عن القتال. ثم دعواه إلى دينهما فأجابهما وكان وقومه يعبدون الأوثان.

وقال هشام: كانت الأنصار من أعزِّ العرب وأشرفها، وهم الأوس والخزرج ابنا


(١) تاريخ دمشق ٣/ ٥٠٠.