فإن قيل: فما معنى قوله: ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١]؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنه سأل آية أي: علامة على وجود الولد، فقيل له ذلك. والرمز بالشفتين والحاجبين والعينين، واعتقل لسانه.
والثاني: ذلك عقوبة له بعد ما شافهته الملائكة بالبشارة.
وقال قوم: لم يعتقل لسانه، وليس بشيء، لأن الله يقول: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)﴾ [مريم: ١١]. قال ابن عباس: كتب إليهم في كتاب. وقال مجاهد: أومأ برأسه. وقال مجاهد أيضًا: ولد يحيى قبل عيسى بستة أشهر، وكان ابن خالته. ويحيى أول من آمن بعيسى ﵇.
وقال ابن وهب: كانت أم يحيى حاملًا به فاستقبلتها مريم وهي حامل بعيسى فقالت لها أم يحيى: أنت أم عيسى، أنت حامل، قالت: ولِم؟ قالت: لأني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك (١).
قلت: لا ينبغي السجود إلا لله تعالى.
وقال السُّدي: ولد يحيى ﵇ في أيام أردشير بن بابك. وقيل: في أيام سابور بن أردشير، والله أعلم.
[ذكر مقتل زكريا ﵇]
ذكر وهب وغيره: أن مريم لما حملت بعيسى ﵉ اتهمت اليهودُ زكريا بها، فلما استبان حملها، طاف إبليس مجالس بني إسرائيل فقذف زكريا بمريم، وقال: ما كان يدخل عليها إلا هو، وهو الذي أحبلها، فطلبوه، فهرب، فأتى واديًا كثير الأشجار، فأتاه إبليس في صورة راعٍ فقال له: قد جاءك القوم، فادع ربَّك أن يفتح لك شجرة، فادخل فيها. ففعل. وجاء القوم، وقد بقي هدب ثوبه، وقيل: بل أخذ به إبليس. فقال لهم إبليس: ها هنا دخل، فركَّبوا عليه المنشار، وشقُّوه نصفين كما فعلوا بشعيا،