للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشُّيوخ، فقرأ عهدَه عليهم وهو يبكي، فبكَوا وقالوا: والله كلُّنا نحبُّ أبا عبد الله، فازداد بكاؤه وقال: وددتُ أبي أن يراني في مثل هذه الحالة، وكان عليه ثيابٌ سواد وقال: كان أبي إذا جاءه رجلٌ مُتَقَشِّفٌ يبعثُ خلفي لأنظرَ إليه؛ يُحبُّ أن أكون مثلَه، وكان إذا انصرف مجلسُ الحُكْم يخلعُ سَوادَه ويقول: ترى أموتُ على هذا؟ والله ما دخلتُ فيه إلا لِدَين رَكِبَني، وعجزتُ عن وفائه مع كثرة العيال.

وقال الخطيب (١): قدم دمشقَ، وحدَّث بها، وولي القضاءَ بطَرَسوس، ثمَّ قدم إلى بغداد، وكان يجلس للفقه وعلى رأسه طويلةُ (٢)، فجاءت عجوزٌ فوقفت عليه وقالت: أعرف أباك وهو يخرج من بيته ولا شيءَ على رأسه، ما رفعه الله بهذه الطَّويلة، وإنَّما رفعه من فَوق.

سمع أباه الإمامَ أحمد، وعفَّانَ بنَ مسلم، وابنَ المديني وغيرَهم، وروى عنه ابنُه زهير، والبغويُّ، والحسنُ بن حبيب وغيرُهم.

وتوفِّي بأصبَهان في رمضان سنةَ خمسٍ وستين ومئتين، وقيل: سنةَ ستٍّ، أو ثلاثٍ أو أربعٍ وستِّين، وله ثلاثٌ وستون سنة، ودُفن ببابِ بيرة، وكان صدوقًا، كريمًا، جوادًا، صالحًا، كما سُمِّي (٣).

[عبد الله بن محمد بن أيوب]

أبو محمد، المُخَرِّمي، الزاهدُ، الورعُ.

قال محمد بن محمد بن سليمان الباغَنْدي: كنتُ بسُرَّ مَن رأى، وكان عبد الله المُخَرِّمي يَقْرب إليَّ، وكان مُقيمًا ببغداد، فخرج توقيعُ الخليفة بتَقْليده القضاء، فانحدَرْتُ في الحال إلى بغداد، فطرقتُ الباب عليه فخرج، فقلت له: البُشرى. فقال: بشَّرك الله بخير، وما هو؟ قلت: خرج توقيعُ الخليفة بتقليدكَ القضاءَ لأحد البَلَدَين؛ إمَّا بغداد وإمَّا سُرَّ مَن رأى. فأطبق الباب، وقال: بشَّرك الله بالنَّار، وجاء أصحابُ السُّلطان، فلم يَظهر لهم، فانصرفوا.


(١) في "تاريخه" ١٢/ ٤٣٣.
(٢) يعني: قلنسوة طويلة.
(٣) "تاريخ بغداد" ١٢/ ٤٣٣ - ٤٣٤، و"المنتظم" ١٢/ ١٩٩، و"تاريخ الإسلام" ٦/ ٣٤٣.