للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خرج إلى خراسانَ، ومضى معه إلى النَّهروان، فجعل يحادثه في الطَّريق، إلى أن قال له: يا صباح، لا أَحسبك تراني بعدها أبدًا، قال: فقلت: بل ردك الله سالمًا قد فتح اللهُ عليك، وأَراك في عدوِّك ما تحبّ، فقال: يا صباح، لعلك لا تدري ما أَجد، قلت: لا والله، قال: تعال حتى أُريَك، فعدل عن الطريق قدرَ مئةِ ذراعٍ واستظلَّ بشجرة، وأَومأَ إلى خدم الخاصَّة فتنحَّوا، ثم قال: بأمانة اللهِ يا صباحُ أن تكتمَ علي، فقلت: أنا عبدُك، فكشف عن بطنه، فإذا عِصابةٌ من حريرٍ حوالي بطنِه وظهرِه قد عَصَبها، وكلُّ بَدَنه نِقاباتٌ وقروحٌ عليها المَراهم، فقال. هذه حالي الباطنةُ منذ سنةِ تسع وثمانين، واللهِ ما علم بها إلَّا ابنُ بختيشوع عينٌ عليَّ لمحمَّد، ومسرورٌ عين علي لعبد الله، وقد بلغني أنَّهما أَخبراهما بمرضي، وليس فيهم إلَّا مَن يُحصي أنفاسي، ويعدُّ أيَّامي، ويستطيل دَهري، فإن أردتَ أن تعرفَ ذلك فالساعةَ أدعو بدابَّة فيجيؤونني ببِرذونٍ أَعجفَ قَطُوف (١)؛ ليزيدَ في عِلَّتي. ودعا ببِرذون، فجاؤوه ببرذونٍ كما وصف، فركب ونظر إليَّ وقال: أَلمْ أقلْ لك؟ فدعوتُ له، فقال: اِرجع إلى أشغالك غيرَ مودع، فنزلت فقبَّلت رِكابه، فكان آخرَ العهدِ به.

وفيها توفي

إسماعيلُ بن جامعِ

ابن إسماعيلَ بن عبدِ الله بن المطَّلب بنِ وَداعة، أبو القاسم المكّي.

كان قد قرأ القرآنَ وسمع الحديث، فترك ذلك وتعلم الغناءَ.

[وقد ذكره أبو الفَرَجِ الأصبهانيُّ وذَكَرَ من أخباره] قال: لحقتني ضائقةٌ شديدةٌ بمكَّة، فانتقلت إلى المدينة، فخرجتُ ذاتَ يومٍ وما أملك إلَّا ثلاثةَ دراهم، وإذا بجاريةٍ على رقبتها جرَّةٌ تريد الرَّكِي (٢) وهي تقول: [من الطويل]

شَكَونا إلى أَحبابِنا طولَ ليلِنا (٣) … فقالوا لنا ما أَقصرَ الليلَ عندنا


(١) القطوف: التي ضاق مشيها. القاموس المحيط (قطف).
(٢) الركية: البئر. وما سلف بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (خ): ليلتنا، والمثبت من الأغاني ٦/ ٣١١، والمنتظم ٩/ ١٩٩، والبداية والنهاية ١٤/ ١٢.