وبشروا مما لَقوه بالأمس، ولم يزل القتال يعمل إلى الليل، ولم يقاتل الفُرس في هذا اليوم على فيل؛ لأن توابيتها كانت قد تكسَّرت، وفي هذا اليوم جرت وقائعُ عظيمة، أكثر المسلمون القتلَ في فارس، وألبس المسلمون الخيل جُلودَ الجِمال، على هيئة الفيلة، فلقي الأعاجم يوم أغواث أشدّ مما لقي المسلمون يوم أرماث.
[قصة العجوز]
ولما اجتمع الناس بالقادسيّة دعت خنساء بنت عمرو النَّخعيّة بنيها الأربعة، فقالت: يا بَنيّ، إنكم أسلمتُم طائعين، وهاجرتُم غير مُكرَهين، لم تَنْبُ بكم الدار، ولم تُقْحِمكم السَّنَة، ولا أرداكم الطَمع، واللَّه إنكم لبنو رَجُلٍ واحد، كما أنكم لبنو أمَّ واحدة، واللَّه ما فَضَحْتُ خالكم، ولا خُنتُ أباكم، ولا غَبَّرتُ نَسبَكُم، ولا أوطأتُ فِراشَ أبيكم غيرَه، فإذا شاهدتُم الحربَ غدًا قد أَبدت ساقَها، ومَدَّت رُواقَها، فتيمَّموا وَطيسها، وجالِدوا خَميسها، تَظفروا بالغَنيمة والسلامة، والفَوز والكرامة، في دار الخُلد والمقامة، يا بَنيّ، جئتُم بأُمِّكم العجوز الكبيرة، فألقيتُموها طُعمةً لأهل فارس، فاللَّه اللَّه فيها وفي أحسابكم، فانصرفوا وهم لأمرها طائعون، وبنُصحِها عارفون، فلما كان يوم أَغواث تَقدَّم الأول فقال:[من الرجز]
يا إخوتي إن العجوز النَّاصِحه
قد أيقظَتْنَا إذ دَعتنا البارِحَه
نصيحة ذات بيانٍ واضحه
فباكروا الحربَ الضَّروس الكالِحَه
فإنما تَأتون عند الصائحه
من آل ساسان كلابًا (١) نابحه
قد أيقنوا منكم بوَقْعِ الجائحه
(١) في (أ) و (خ): فباكر، الطروس، عند الصالحة، كلاب، والمثبت من الاستيعاب (٣٢٩٨)، والمنتظم ٤/ ١٧٤، وصفة الصفوة ٤/ ٣٨٦.