للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال للقوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلَّمه ربُّه وقع على جبهته نورٌ ساطع لا يستطيع أحدٌ من بني إسرائيل أن ينظر إليه، فضرب دونه الحجاب ودنا القوم فدخلوا في الغمام وسمعوه يكلِّم ربه وربه يكلمه، يأمره وينهاه. فلما فرغ من المناجاة وانكشف الغمام عن موسى أقبل إليهم، فقالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥] ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ [النساء: ١٥٣] وهي الرجفة فماتوا جميعًا، وأنكر قوم أنهم سمعوا كلام الله، وقالوا: إذ سمعوا كلام الله، فأيُّ ميزة لموسى عليهم.

وقال وهب: لم تكن الرجفة موتًا وإنما كانت غَشْيَةً، فخاف موسى عليهم ورقَّ لهم وقال: يا رب، ماذا أقول إذا رجعت إلى بني إسرائيل ﴿لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾ [الأعراف: ١٥٥] أي عبدة العجل؟ فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم (١).

فإن قيل: فكيف قال موسى هذا وقد علم أن الله أعدل من أن يؤاخذ بجريرة الجاني غيره؟ قلنا: هذا استعطافٌ من موسى لله تعالى، وتقديره: لا تهلكنا، فكان دعاء، ونظيره قول عيسى ﵇: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ [المائدة: ١١٨].

[فصل في قصة أريحا]

قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠].

قال ابن عباس: من كان له بيت وخادم وامرأة صالحة وبُلْغَة فهو ملك، وقد روي هذا المعنى مرفوعًا، فقال أبو إسحاق الثعلبي: حدثنا عبد الله بن حامد بن محمد بإسناده عن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله ﷺ: "كانَ بنُو إِسرائيلَ إذا كانَ لأحدِهم خَادِمٌ وامرأةٌ ودَابةٌ يُكْتَبُ ملِكًا" (٢).

﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١]. واختلفوا فيها:

قال ابن عباس: هي أرض فلسطين، والأردن، والطور وما حوله، والغَور وما والاه.


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢١٤ - ٢١٥.
(٢) تفسير الثعلبي ٤/ ٤١.