للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما اسطعتُ توديعًا لها بسوى البُكا … وذلك جهدُ المستهامِ المعذَّبِ

سلامٌ على من لم يُطِق عند بينه … سلامًا فأومى بالبنان المخضَّبِ

فجعلَ يبكي بكاءً شديدًا، فلما هدأ قلت: يا أمير المؤمنين، لا أبكى الله عينيك، يا أمير المؤمنين، ما لك؟ قال: دخلتُ إلى بعض المقاصير، فرأيتُ جاريةً كُنْتُ أحبُّها حبًّا شديدًا وهي تموت، فسلَّمتُ عليها، فلم تطقْ ردَّ السلام، فأشارت بإصبعها.

توفي مخارق بسُرَّ من رأى.

[يوسف بن يحيى]

أبو يعقوب، البُوَيطيُّ، وبويط قرية [كان لأبي يعقوب من الشافعيِّ منزلة] (١)، وربما سأله رجل مسألة فيقول: سَلْ أبا يعقوب.

وقال الشافعيُّ: ما رأيت أحدًا أَنْزَعَ (٢) بحجَّةٍ من كتاب الله مثل البويطيّ، والبويطيُّ لساني.

ولمَّا مات الشافعيُّ (٣) تنازعَ محمدُ بن الحكم والبويطيُّ في الجلوس موضعَه، حتَّى شهد الحميديُّ على الشافعي أنَّه قال: البويطيُّ أحقُّ بمجلسي من غيره، فأجلسوه مكانه.

وأخبره الشافعيُّ أنَّه يُمتَحن ويموتُ في الحديد، وكان كما قال، وكان فقيهًا زاهدًا عابدًا، ما كان تأتي عليه ساعةٌ من ليلٍ أو نهار إلَّا يقرأ أو يصلِّي، وكان أبدًا يحرك شفتيه بذكر الله تعالى.

وقال الربيع بن سليمان: رأيتُ البويطيَّ على بغلٍ، وفي رقبته غُلٌّ، وفي رجليه قيدٌ، وبين الغُلِّ والقيد سلسلةُ حديدٍ فيها طوبة وزنها (٤) أربعون رطلًا، وهو يقول: إنَّما خلقَ الله الخلق بـ: "كن"، فإذا كانت "كن" مخلوقة كأنَّ مخلوقًا [خلق مخلوقًا]، ووالله


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ بغداد ١٦/ ٤٤٠.
(٢) في (خ) و (ف): أبرع. والمثبت من تاريخ بغداد ١٦/ ٤٤٠، وسير أعلام النبلاء ١٢/ ٥٩.
(٣) في تاريخ بغداد ١٦/ ٤٤١: لما مرض الشافعي مرضه الَّذي توفي فيه.
(٤) في (خ) و (ف): فيها. والمثبت من تاريخ بغداد ١٦/ ٤٤٢. وما سيأتي بين حاصرتين منه.