المشرق، وأتيتُه من الغد، وإذا به قد مال إلى القبلة، وأمرتُ بشدِّه بالسلاسل، ثم دخلتُ إليه في اليوم الثالث، وإذا به قد مال إلى القبلة، فتطيرتُ وعلمتُ أني مغلوب، ثم غلبني الهوى والطمع، فسِرْتُ إلى بلاد الإسلام، فكان مني ما كان.
وقال أبو يعلى بن القلانسي: إن عسكر صاحب الروم كان ستَّ مئة ألف من الروم وسائر الطوائف، وإنَّ عسكر السلطان كان أربعَ مئة ألف مقاتل من الأتراك وجميع الطوائف، والذي ذُكِرَ أنَّه كان مع السلطان أربعةُ آلاف مملوك هو الأصحُّ؛ لِما ذكرنا من أن العساكر تفرَّقت عنه، ثم كتب السلطان إلى الخليفة بشرح ما جرى، وبعث بعمامة ملك الروم والصليب وما أُخذ من الروم، وذلك في ثالث عشرين ذي الحجَّة، فقُرئت الكتب في بيت النوبة، وسُرَّ الخليفةُ والمسلمون، وزُيِّنت بغداد تزيينًا لم تُزيَّن مثلُه، وعُملت القباب، وكان فتحًا عظيمًا لم يكُنْ في الإسلام مثلُه، وعاد السلطان إلى الري وهَمَذان.
وفيها ملكت الفرنج جزيرة صقلية، وسببه أنَّه كان بها والٍ يقال له: ابن البعباع، فبعث إليه صاحب مصر يطلب منه المال، وكان عاجزًا عمَّا طلب منه، فبعث إلى الفرنج، ففتح لهم الباب -أي البلد- فدخلوا فقتلوا وملكوا الجزيرة.
وفي هذه السنة ظهر أتْسِز بن أوق مقدَّم الأتراك الغز، وفتح الرملة والبيت المقدس، وضايق دمشق، وواصل الغارات عليها، وأخرب الشام.
وفيها تُوفِّي
أحمد بن علي (١)
ابن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر، الخطيب، البغدادي، ولد يوم الخميس لِستٍّ بَقِين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة -وقيل: سنة اثنتين وتسعين- بدَرْزيجان قريةٍ أسفل بغداد، وكان أبوه خطيبها، ونشأ ببغداد، وأول ما سمع الحديث سنة ثلاث وأربع مئة وله إحدى عشرة سنة، وقرأ القرآن، وتفقَّه على أبي
(١) المنتظم ١٦/ ١٢٩ - ١٣٥، تاريخ دمشق ٥/ ٣١ - ٤١، وتبيين كذب المفتري ص ٢٦٨ - ٢٧١ ومعجم الأدباء ١٤/ ١٣ - ٤٥. وينظر السير ١٨/ ٢٧٠.