والثاني: أن الشاهد ابن عم راعيل الذي كان قاعدًا على الباب مع زوجها، حكم برأيه فيما أخبر الله عنه في قدِّ القميص، قاله الحسن وعكرمة ومجاهد والضَّحَّاك، وهو رواية عن ابن عباس. وكان من خاصة الملك.
والثالث: أنَّ الشَّاهد القميصُ المقدود قاله ابن أبي نجيح (١). وقال ابن عباس: حكَموا القميصَ فقال ابن عم راعيل: ﴿قَال هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦)﴾ [يوسف: ٢٦، ٢٧] فجعل بيان هذا الأمر في القميص.
ولما رأى قطفير القميص قُدَّ من دبر عرف خيانة زوجته وبراءة ساحة يوسف فقال لامرأته: ﴿إِنَّهُ﴾ أي هذا الصنيع ﴿مِنْ كَيدِكُنَّ﴾ وقيل: هو من قول الشاهد ﴿إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٨] ثم أقبل قطفير على يوسف وقال: ﴿يُوسُفُ﴾ [يوسف: ٢٩] أي: يا يوسف، نداء مفرد ﴿أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ الأمر واصرف عنه، ولا تكثرن هذا الحديث ولا تذكره لأحد فقد بأن عمرك وبراءتك. ثم قال لامرأته: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾ وقيل: إنَّما هذا من قول الشاهد، يقول: سلي زوجك أن يصفحَ عنك ولا يعاقبك ﴿إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)﴾ [يوسف: ٢٩] أي: المذنبين حيث راودت شابًا عن نفسه وخنتِ زوجك، فلما استعصم كذبت عليه، وهذا قول ابن عباس. وخطئَ الرجل يخطئ خطأً إذا أذنب، والاسم الخطيئة، وإنَّما لم يقل من الخاطئات لأنَّه لم يرد الخبر عن النساء، وإنَّما قصد الخبر عن من يفعل ذلك من القوم الخاطئين، ومثله: ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم: ١٢].
[فصل في حديث النسوة]
قال الله تعالى: ﴿وَقَال نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ الآية. والعزيز: نائب الملك؛ وقال ابن عباس: لما شاع حديث راعيل في المدينة -وهي مصر- أنها راودت فتاها عن نفسه عِبْنَ عليها وقلن: عبدها الكنعاني ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ [يوسف: ٣٠]: وصل حبُّه إلى شغافها، وهي جِلْدةٌ رقيقة تسمى لسان القلب إذا وصل الحبُّ إليها عسر خروجه،