للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قام فدعا ربَّه لنفسِه، فطُعِنَ في راحته فلقد رأيتُه ينظر إليها، ثم يُقَبِّلُ ظهر كفِّه، ثم يقول: ما أُحبُّ أنَّ لي بما فيك شيئًا من الدنيا، ومات.

فاستُخلف على الناس عمرو بنُ العاص، فقام فينا خطيبًا فقال: أيُّها الناسُ، إن هذا الوَجعَ إذا وقع اشتعلَ اشتعالَ النَّار، فتحيَّزوا منه في الجبالِ، فقال له أبو واثِلة الهُذَلي: كذبتَ، ولقد صحبتُ رسولَ اللَّه وأنتَ شرٌّ من حماري هذا! فقال: واللَّه ما أردُّ عليك، ولا نُقيمُ عليه. ثم خرج، وخرج الناسُ، فتفرقوا عنه، ورفعه اللَّه عنهم. قال: وبلغ عمر بنَ الخطاب ذلك من رأي عمرو، فواللَّهِ ما كَرِهه (١).

وقيل: إن القائل لعمرٍو ذلك شُرَحْبيل بن حسنة، وسنذكره.

وقال الواقدي: أول ما ظهر الطاعون من قريةٍ بالساحلِ يُقال لها: عَمْواس، نبع الماء من بئرها، مات من المسلمين في شهرٍ واحدٍ خمسةٌ وعشرون ألفًا، ما كان أحدٌ يقول لأحدٍ: كيف أصبحتَ ولا كيف أَمسيتَ، وكان القبرُ يُرمى فيه جماعة، وعلَّق عمرو بنُ العاصِ بعمود خِبائه سبعين سيفًا، كلّها وَرِثه عن كَلالةٍ، أولا عن كلالة، وطمع العدوُّ في المسلمين.

واختلفوا في أيِّ سنةٍ كان الطاعونُ على أقوالٍ: أحدُها في هذه السنة، ذكره الواقدي، والثاني في سنة سبع عشرة، قاله سيف، والثالث في سنة عشرين، والأوَّل أَشهر. وسنذكر أعيانَ مَن مات في هذه السنةِ في آخرها.

فصل (٢) حديث الغار الذي وُجد بجبل لبنان

روى أبو الفضلِ بن ناصر بإسناده إلى الهيثم بن عدي قال: افتُتح غارٌ في جبل لبنان، فإذا فيه رجلٌ مُسَجَّى على سريرٍ من ذهبٍ، وإلى جانبِه لوحٌ من ذهبٍ مكتوب عليه بالرومية: أنا ساب ابن بوناس بن سابا، خدمتُ العيص بن إسحاق بن إبراهيم خليلِ الربِّ الأكبرِ، وعشتُ بعده دهرًا طويلًا ورأيتُ عجبًا كثيرًا، فلم أرَ أعجب من غافلٍ عن الموت وقد عاين مصارعَ آبائه، ووقف على قُبور أحبّائه، وعلم أنَّه صائرٌ إليهم لا


(١) مسند أحمد (١٦٩٧).
(٢) من قوله: واختلفوا في أي سنة. . . إلى هنا ليس في (أ) (خ).