قدم بغداد خرج الخليفة والخدم والخواصُّ والحُجَّاب لاستقباله، وبعث إليه رسالة جميلةً أنبأت عن جميل الرأي فيه، فقويَتْ نفسه، وانشرح صدرُه، وخرج معظم أهل بغداد الخواص والعوام سرورًا بوروده وسلامته؛ لأنه كان محسنًا إليهم.
وفي رجب توفي القائم بأمر الله، وولي عُدَّةُ الدين [بن] الذخيرة، وسنذكره إن شاء الله تعالى.
[الباب السابع والعشرون في خلافة المقتدي [بأمر] الله]
واسمه عبد الله بن ذخيرة الدين أبي العباس محمد بن عبد الله الإمام القائم بالله، وكان يُلقَّب قبل الخلافة بعُدَّة الدين، ويكنى أبا القاسم، ولم يكن أبوه أبو العباس يلي الخلافة؛ لأنه مات في حياة أبيه القائم، ومولد المقتدي يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، وأمُّه أم ولد أرمينية تُسمى أرجوان وتُدعى قرَّةُ العين، أدركَتْ خلافتَه وخلافةَ ابنه وابنِ ابنه، وكان الذخيرة قد بقي من أولاد القائم ولم يبقَ له سواه، فتوفِّي، فاستشعر الناس انقراض الدولة لعدم ولد البيت القادري وأنَّ من سواهم من الأسرة مخالطٌ العوام من البلد، وجار مجرى السوقة، وأن ذلك ينفر قلوب العامة عن المتولي، فحفظ الله هذا البيت بأن كان الذخيرة قد ألمَّ بجاريته أرجوان، ومات وهي حامل، وتشوَّف الناس إلى حملها، فولدت عدة الدين المقتدي بعد موت أبيه بخمسة أشهر، فوقعت البشائر، ولم يزل جده القائم ضنينًا به حدبًا عليه، فلما كانت نوبة البساسيري كان لعدة الدين دون أربع سنين، فسيَّره أهلُه، وحملوه إلى أبي الغنائم بن المحلبان، فسار به إلى الجزيرة، وتنقَّل به وبأمه [وببنت القائم، ثم ردَّهم إلى بغداد لمَّا عاد القائم، ولمّا كبر ذُكر على المنابر، ولمَّا احتضر القائم كتب كتابًا بالعهد](١) ولم يزل منذ حين بلوغه إلى أن ولي الخلافة على الستر والسلامة والعفة والصيانة، وحفِظَ اللهُ به هذا البيت، وظهرت كراماته؛ فإن ملكشاه تغيَّر عليه، وأمره بالخروج من بغداد، فقال: أمهلني عشرة أيام. فمات ملكشاه سرعة.