للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حافظًا لأخبار الخلفاء، عارفًا بأيام الناس، زاهدًا، ترك الخلافة عن قدرة، وآثر بها القادر بالله، ولمَّا احتضر أوصى بأن يُصلِّي عليه ويغسِّلَه القاضي أبو الحسين بن الغريق، ويُحمل في النهار إلى باب حرب ويُدفَنَ في غير تابوت، ففُعِلَ ذلك به، ومشى الأمراء والأشراف، منهم البساسيري، مشى من داره إلى قبره، ودُفِنَ بقرب الإمام أحمد -رحمة الله عليه- في رجب على ما قيل، وأمرَ القائمُ بأن يُجلَسَ له في العزاء، فجلس رئيس الرؤساء من الغد في صحن السلم، وحزن القائم عليه ومحني بأمره، وأمر أن يمشي القضاة والأشراف بين يدي جنازته.

[وفيها تُوفِّي]

محمد بن جعفر (١)

ابن أبي الفرج بن فَسانْجِس، أبو الفرج، ويلقب بأبي السعادات، وزر لأبي كاليجار بفارس وبغداد، وكان فاضلًا عادلًا صاحبَ مروءة، كتب إليه بعض شهود الأهواز: إنَّ فلانًا مات وخلف خمسين ألف دينار مغربية، وعقارًا بمثلها، وخلف ولدًا له ثمانية أشهر، فإن رأى الوزيرُ أن يقترض العينَ إلى حين بلوغ الطفل. فكتب على ظهر الرُّقعة: المتوفَّى ﵀، والطفل جبره الله، [والمال ثمرة الله]، والساعي لعنه الله، لا حاجة لنا في أموال اليتامى.

ومن شعره: [من الوافر]

أودِّعكُمْ وإنِّي ذو اكتئابِ … وأرحَلُ عنكمُ والقلبُ آبي

وإنَّ فراقَكُمْ في كلِّ حالٍ … لأَوجَعُ من مفارقةِ الشَّبابِ

أسيرُ وما ذَمَمْتُ لكُمْ جِوارًا … وما مَلَّتْ منازلُكُمْ ركابي

وأشكرُ كلَّما أوطنتُ دارًا (٢) … لياليَنا القصارَ بلا احتسابِ

وأَذكُركُمْ إذا هبَّتْ جَنوبٌ … تُذكِّرني عَلالاتُ (٣) التَّصابي


(١) المنتظم ١٥/ ٣١٦، والكامل ٩/ ٥٤٢ - ٥٤٣.
(٢) ووقع في النسخ: وأسلو كلَّما وطنت ديارًا. والمثبت من المنتظم والكامل.
(٣) في المصدرين السابقين: غرارات، أو: غزارات.