للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

داري، وهتكتَ حُرمتي، وأذهبتَ حشمتي، فقال له الباطني: وهل لكَ حُرمةٌ مهتوكة، أو دارٌ مملوكة، أو حشمةٌ تمنع من الدماء المسفوكة؟ أو ما علِمتَ أننا ستةُ نفر بُعِثنا إلى ستة لنقتلهم أحدُهم أخوك؟ قال: وهل أنا في جملتهم؟ قال: أنت أقلُّ من أن تُذكرَ أو نلوِّثَ سكاكينَنا بدمك. فعُذِّبَ على أن يُقِرَّ على من أمر بقَتْلِه، فلم يُقِرَّ، فقتله (١).

وفيها خرج سعد الدولة القوامسي من مصر بعسكر كثيف، فالتقى الفرنجَ على عسقلان، وكان في القلب (٢)، فقاتل قتالًا شديدًا، فكبا به فرسُه فقُتِلَ، وثبت المسلمون، وحملوا على الفرنج فهزمهم إلى قيسارية، فيقال: إنهم قتلوا من الفرنج ثلاثَ مئة ألفٍ ولم يُقتَل من المسلمين سوى سعد الدولة ونفرٍ يسير.

وفيها توفِّي

سعد الدولة الكوهراني (٣)

من الخدم الأتراك الذين ملكهم أبو كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة، وكان قبل انتقاله إليه لامرأة، فكان بعد إقبال الدنيا عليه ومسير الجيوش تحتَ ركابه يقصد مولاته ويخدمها ويستعرض حوائجها، وبعث به أبو كاليجار مع ابنه أبي نصر إلى بغداد، فلم يزَلْ معه حتَّى قدم طُغْرُلبك بغداد واعتقل أبا نصر في القلعة، فلم يُفارِقْهُ سعد الدولة، فلما مات خدم سعدُ الدولة ألب أرسلان ووقاه بنفسه لمَّا جرحه يوسف -وقد ذكرناه- فلمَّا مَلَكَ مَلِك شاه بعثَ سعد الدولة إلى بغداد في رسالة، فجلس له القائم في صفر سنة سبع وستين، وأعطاه الخِلَعَ والعهد لملك شاه، وأقطعه ملك شاه واسطًا، وكان قد ولَّاه شحنة بغداد، ورأى ما لم يرَه خادمٌ من المال والجاه ونفوذ الأمر وطاعة العساكر، ولم يُنقَل أنَّه مرض ولا صدع، ونال مُرادَهُ من كلِّ عدوٍّ له، وذكر أنَّه لم يجلس قطُّ إلا على وضوء، وكان يتوضأ ولا يستعين بأحد، ويصوم، ويقوم الليل، ويتصدَّق، ولم يصادِرْ أحدًا، ولا ظلم أحدًا، وكان يوم


(١) هذا الخبر والذي قبله في المنتظم ١٧/ ٥٤ - ٥٥.
(٢) يعني في القلب على بركياروق ومن معه، ينظر الكامل ١٠/ ٢٩٥.
(٣) ينظر المنتظم ١٧/ ٥٦ - ٥٧.