للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الحادية والخمسون بعد المئتين]

فيها اضطربت أمورُ المستعين، وسببُه قتلُ باغر التركيّ قاتل المتوكل، واضطرابُ أمر الأتراك، وكان باغر قد أُقطِعَ بسواد الكوفة ضياعًا، وكان له كاتبٌ يهوديٌّ، فجارَ على أهل تلك الناحية، فنهاه رجلٌ يقال له أحمد بن مَارِمَّة، فحبسَه اليهوديّ (١)، فهرب من الحبس إلى سامرّاء، فلقي دُلَيل بن يعقوب النصرانيّ كاتب بُغَا الشرابي وصاحب أمورِ العساكر، فاستجارَ به ابن مَارِمَّة، فأجاره، وكان باغر أحدَ قواد بغا، فمنع دليل باغر من ظلمه، فأوغر صدره، وكان بغا والموالي يتوقَّونَ شرَّ باغر، فجاء باغر وهو سكران إلى بغا وهو فِي الحمام، فأغلظَ له وقال: والله ما من قتل دُليل النصراني بُدّ، فخاف منه بغا فقال: لو أردتَ قتل ابني فارس لما منعتك، ولكن أمري وأمر الخلافة والعساكر إلى دليل، فاصبر حتَّى أبصر لمكانه إنسانًا يقوم بأمره، وافعل به ما شئت، وأرسل بغا إلى دُلَيل فأمرَه أن لا يظهر، فاستخفى، وبعث بغا إلى محمد بن يحيى بن فيروز فاستكتَبه مكان دُلَيل، فرضي باغر بعزل دُلَيل، وما زال بغا حتَّى أصلح ما بين باغر ودُلَيل، وفي قلب باغر ما فيه، ثمَّ تلطَّف باغر، ولزم خدمة المستعين فِي الدار، وكره المستعين مقامه عنده، فقال لوصيف: أيُّ شيءٍ كان إلى إيتاخ من العمل؟ فقال: كذا وكذا، فقال: ولُّوه لباغر، وكانت تلك الأعمال إلى بغا، وبلغ دُليلًا، فأرسلَ إلى بغا يقول: أنتَ فِي دارك وهم فِي تدبير عزلك عن أعمالك، ما بقيَ بعده إلَّا أن يقتلوك، فجاء بغا إلى وصيف وقال: أردت أن تزيلَني عن مرتبتي، وتصيِّر باغر مكاني، وهل باغر إلَّا عبدٌ من عبيدي، فقال وصيف: ما عملتُ إلَّا ما أراد الخليفة من ذلك (٢)، فتعاهد بغا ووصيف على محنة باغر.

وكان المستعين خائفًا منه، فأمر من أرجف باغر بالإمرة، وأن يُضَاف إليه جيشٌ


(١) كذا فِي (خ) و (ف). وسياق الخبر كما فِي تاريخ الطبري ٩/ ٢٧٨: أن باغر أقطع قطائع … فتضمَّن تلك الضياع التي أُقطعها باغر هنالك من كاتب كان لباغر يهوديُّ بألفي دينار فِي السنة، فعدا رجل بتلك الناحية يقال له: ابن مارمَّة على وكيل لبغا هنالك، فتناوله أو دسَّ إليه من تناوله، فحبس ابن مارمة …
(٢) كذا فِي (خ) و (ف) وفي تاريخ الطبري ٩/ ٢٧٩: ما علمتُ ما أراد الخليفة من ذلك، وانظر الكامل ٧/ ١٣٨.