للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثير، ودافعه، فأحسَّ بالمكر به، فبايع الذين ساعدوه على قتل المتوكل وغيرهم على قتل المستعين وبغا ووصيف، وأنَّهم يولُّون عليَّ بن المعتصم أو ابن الواثق، وتصير الدنيا لهم.

وبلغ المستعين من امرأة كانت لباغر فطلَّقها، فبعث المستعين إلى بغا ووصيف، فقال لهما: أنا ما سألتُكما أن تجعلاني خليفة، أنتما فعلتما ذلك، وتريدان أنتما والموالي تقتلوني، وأخبرهم الخبر، فحلفا بالله ما علمنا بشيء من ذلك.

ثمَّ أرسلا إلى باغر وجماعة من الأتراك، فأحضروهم إلى دار بغا، وعدلوا بباغر فحبسوه فِي حمَّام، وبلغ الأتراك، فنهبوا دارَ المستعين، وحصرُوا الجوسق بالسلاح، فقال لرشيد بن سعاد (١): أقتل باغر، فدخل عليه فِي عدَّةٍ من أصحابه، فشدخوه بالطبرزينات، وقتلوه شرَّ قتلة، ونزل المستعينُ وبغا ووصيف وشاهك الخادم وأحمد بن صالح بن شيرزاد فِي حَرَّاقة (٢) إلى بغداد، وهاج الأتراك ووقعَ النهب بسامراء، ونهبت الدور، فقال أحمد بن الحارث اليمامي: [من المتقارب]

لعمري لئن قَتلوا باغرًا … لقد هاجَ باغرُ حربًا طحونَا

وفرَّ الخليفةُ والقائدانِ … بالليلِ يلتمسانِ السفينَا

وصاحُوا بمَيسَانَ ملَّاحِهم … فجاءهُمُ يَسبِقُ الناظرينَا

فألزَمهم بطن حرَّاقةٍ … فصرَّت مجاذيفهم سائرينَا

وما كان قدرُ ابنِ مارمَّةٍ … ليكشف (٣) فيه الحروبَ الزَّبونَا

ولكن دُليلٌ سعَى سَعْيَةً … فأخزى الإلهُ به العالمينا

فليتَ السفينةَ لم تأتِنا … وغرَّقها اللهُ والراكبينا

من أبيات.

وهرب ابن مَارِمَّة ودُليل إلى بغداد، فمرض ابن مارمَّة، فعاده دُليل، فقال له: ما مرضك؟ فقال: القيد الَّذي قيدني به اليهوديُّ قد انتقضَ عليَّ مكانُه، فقال له دُليل: لئن


(١) فِي (خ) و (ف): لرشد بن رشدس. والمثبت من تاريخ الطبري ٩/ ٢٨٠ ورشيد بن سعاد ابن أخت وصيف.
(٢) الحراقات: سفنٌ بالبصرة فيها مرامي نيران يرمى بها العدو. القاموس (حرق).
(٣) كذا فِي (خ) و (ف)، وفي تاريخ الطبري ٩/ ٢٨١: فتكسب. وفي الكامل ٧/ ١٤٠: فنكسب.