للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أخرج إليه امرأةً لم يشكَّ أنها أمّه، وخرجَتْ معها عجوزٌ كأنها هي. فقال الشيخ: هذه جَدَّتُك، وهذه ابنتُها خالتُك. فأقبلا يُقبِّلانِ رأس الفتى ويبكيان، ثم دعا بشبابٍ في الصحراء، فقال: هؤلاء أخوانُك وبنو خالاتك.

ثم أخرجَ حُليًّا كثيرًا، وثيابًا فاخرة، وقال: هذا عندنا منذ سُبيتْ أمُّك، فخُذْهُ معك، وادْفَعْهُ إليها، وأَقْرِئْها عنّا السلامَ.

وبكى الشيخ، وبكَوْا معه، ثم أعطاه لنفسه مالًا كثيرًا وثيابًا وحُلِيًّا، وحملَه على عدَّة دوابَّ، وألحقَه بعسكر المسلمين.

فأخْبِرَ مسلمةُ الخَبر، فجعلَ يتعجَّب، فلما قدم الفتى على أمِّهِ، أخرجَ لها شيئًا فشيئًا وهي تعرفُه وتبكي وتقول: باللهِ (١) فتحتُم الحصن الفلانيّ، وقتلتُم شيخًا من صفته كذا وكذا، وهو واللهِ أبي، ولي أمٌّ عجوز، وأختٌ وإخوة. وأكثرتِ البكاء، فقال لها: لا بأس عليكِ. وحدَّثَها الحديث، ودفعَ إليها ما بعثَه الشيخ [معه إليها] (٢).

[السنة الثالثة والعشرون بعد المئة]

[حكى البلاذُري أنَّ في هذه السنة] خرج خمسة وعشرون ألفًا من الرُّوم، فنزلُوا على مَلَطْيَة، فبعثَ إليهم هشام بن عبد الملك الجيوش، فقَتلُوا منهم مقتلةً عظيمة، وانهزم الباقون (٣).

وفيها صالحَ نَصْرُ بنُ سيَّار السُّغْد، وكانت التُّرك قد تفرَّقَتْ بعد مقتل خاقان في أيام أسد بن عبد الله، واشتغلوا بالغارات بعضهم على بعض، فطمع أهل السُّغد في الرجوع إلى بلادهم، فبعثوا إلى نَصْر بن سيَّار، فأجابهم إلى ما طلبوا.


(١) في (ب) و (خ): واللهِ. والمثبت من (د) و (ص).
(٢) الخبر في المصادر السابقة وما بين حاصرتين من (ص). ووقع فيها بعده ما سلفت الإشارة إليه قبل القصة.
(٣) ينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٣٤٩. والكلام السالف بين حاصرتين من (ص).