قال علماء السير كابن هشام والواقدي وسيف بن عمر عن أشياخهم: لما دخلت سنة ست وثلاثين فرَّق أميرُ المؤمنين عُمَّاله على الأقطار، قال سيف: فحدّثني محمد وطلحة قالا: بعث عثمان بنَ حُنَيف إلى البصرة، وعُمارة بن حسان بن شهاب الثوري على الكوفة، وكان من المهاجرين، وعبيد الله بن العباس إلى اليمن، وقيس بن سعد بن عُبادة إلى مصر، وسهل بن حُنَيف إلى الشام.
فأما سهل بن حُنَيف فإنه لما وصل إلى تبوك لَقيَتْه خيلٌ، فقالوا: مَن أنت؟ قال: أمير، [قالوا: على أي شيء؟ قال:] على الشام، فقالوا: إن كان عثمان بَعَثَك فحَيَّهَلا بك، وإن كان غيرُه فارجع، فليس لك علينا إمرة، فقال: أوَما سمعتُم بنا جرى؟ قالوا: بلى، فرجع إلى المدينة، وأخبر عليًّا بذلك.
وأما قيس بن سعد فإنه لما وصل إلى أيلة لقيتْه خيلٌ، فقالوا: مَن أنت؟ قال: من فالَّة عثمان، أطلبُ مَن آوي إليه، قالوا: ادخل، فدخل مصر وقال: أنا قيس بنُ سعد، وافترق أهلُ مصر عليه فِرَقًا؛ فرقة دخلت في الجماعة فكانوا مع قيس، وفرقة اعتزلت إلى مكان يُقال له: خَرِبْتا، ووافقهم أهلُها وقالوا: الأمر موقوف؛ إن قتل عليٌّ قتلةَ عُثمان فنحن معه، وإلا كنا على حالنا، وفرقة قالوا: نحن مع علي إلا أن يَقتُل إخواننا، يعنون قتلةَ عثمان، وهم في ذلك مع الجماعة.
فكتب قيس إلى علي بذلك، وسنذكر قصة قيس بن سعد بعد هذا.
وأما عثمان بن حُنَيف فسار حتى دخل البصرة، فلم يَرُدّه عنها أحد، وافترق أهلُها، ففِرقة دخلت في الجماعة، وفرقة اعتزلت، وفرقة قالوا: نحن مع أهل المدينة، نَنظُر ما يصنعون فنصنع كذلك.
قال أبو جعفر الطبري في "تاريخه"(١): وأما عُمارة فإنه لما وصل إلى زُبالة تلقّاه طُليحة بن خُويلد -وقد كان حين بلغه قتلُ عثمان خرج يدعو إلى الطلب بدمه ويقول: