للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في عمارة بيت المقدس وقصة العزير (١)

قال الله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩].

واختلفوا في هذا المارِّ على أقوال:

أحدها: أنه إرْمِيَا، قال جدي في "فضائل القدس": روى عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه وزاد غيره قال: أقام إِرْمِيا بعد خراب البيت بأرض مصر مدة، فأوحى الله إليه: أن الْحَقْ بأرض إيلياء، فإن هذه ليست لك بأرض، فقام فركب حماره وأخذ معه سلةً من عنب وسقاءً جديدًا فيه ماء وخرج (٢).

وفي رواية: فأوحى الله إليه: يا إرميا الْحَقْ بأرض الشام، فإن هذه الأرض ليست للأنبياء بمقام، وإني عامر بيت المقدس، فخرج على حمار ومعه سلة فيها عنب وتين وسقاء من عصير. فلما بدا له شخصُ بيت المقدس وما حوله من القرى نظر إلى خرابٍ لا يوصف، فقال: أَنَّى يُحصي هذه الله بعد موتها، ونزل عن حماره وربطه، وألقى الله عليه السُّباتَ ونزع روحه، فنام مئة عام، فلما انقضت سبعون منها أرسل الله مَلَكًا إلى مَلِكٍ من ملوك فارس عظيم. واختلفوا في اسمه فقال وهب: كوشك (٣)، وقال أبو جعفر الطبري: بشتاسِب (٤)، وقال مجاهد: كورش، فقال له المَلَك: إن اللهَ يأمُرُكَ أن تَنْفِرَ بقومك فتعمر بيت المقدس حتى يعود أعمرَ ما كان، فانتدب الملك ألف قَهرَمان (٥)، مع كلِّ قهْرَمان ثلاثة آلاف عامل، فشرع في عمارته، فتمَّ في ثلاثين سنة. وجمع كوشك من كان إليه في البلاد من بني إسرائيل، فكثروا وعادوا أحسن ما كانوا. ولما مضى من منام إرْمِيا سبعون سنة دبَّت الروح في عينيه، فجعل ينظر إليهم وهم يبنون


(١) من هنا بدأت نسخة كوبريللي، والتي رمزنا لها بـ (ك) وعليها الاعتماد، وانظر قصته في "عرائس المجالس" ص ٣٤٥، و "المنتظم" ١/ ٤١١، و "البداية والنهاية" ٢/ ٣٨٠، و "تفسير الطبري" ٥/ ٤٣٨، والنكت والعيون ١/ ٣٣١، وتفسير الثعلبي ٢/ ٢٤٢، وزاد المسير ١/ ٣٠٨، و "تفسير ابن كثير" ١/ ٤١٠.
(٢) "فضائل القدس" ص ١٠٧.
(٣) في (ك): نوشك، وفي "تفسير الطبري" ٤/ ٥٩٤، و "عرائس المجالس": يوشك.
(٤) "تاريخ الطبري" ١/ ٥٤٠.
(٥) القَهْرَمان: أمين الملك ووكيله الخاص بتدبير دخله وخرجه.