أبو طاهر محمَّد
ابن محمَّد بن بَقيّة، وزير بَختيار.
قد ذكرنا بدايته وأخبارَه أيام وزارته، وكان عضد الدولة قد بعث إليه يُميلُه عن بختيار، فقال: الخيانةُ والغدر ليسا من أخلاق الرِّجال.
ذكر مقتله:
قد ذكرنا أن عز الدولة لما خرج من بغداد ودخلها عضد الدولة سلَّمه إليه أبو سعد بن بهرام مَسْمولًا، فشَهره في بغداد من الجانبين وعلى رأسه بُرْنُس، ثم أمر أن يُطْرَح تحت أرجل الفِيَلَة فقتلتْه، ثم حُمِل فصُلِب في طَرَف الجِسْر من الجانب الشَّرقيّ، ولم يَشفع فيه الطائع لأمرٍ كان في نفسه منه، وأُقيم عليه الحَرَس.
وقيل: إن عز الدولة بعث به إلى عضد الدولة لما خرج عن بغداد لقتاله، وكتب أهلُ بغداد لعنَة عضد الدولة على حيطان الجوامع والأسواق؛ لأنه كان عادلًا جَوادًا مُحسِنًا إلى الجُند والرَّعِيَّة، سَخيًّا، فاجتاز به أبو الحسن محمَّد بن عمر الأنباري الصُّوفيّ الواعظ، وكان صَديقًا له، فرثاه بأبيات، وهي: [من الوافر]
عُلوٌّ في الحياةِ وفي المَماتِ … بحقٍّ أَنْتَ إحدى المُعْجِزاتِ
كأنَّ النَّاسَ حَولك حين قاموا … وُفودُ نَداكَ أيامَ الصِّلاتِ
كأنَّكَ قائمٌ فيهم خَطيبًا … وكلُّهم قِيامٌ للصَّلاةِ
مَدَدْتَ يديك نحوَهم اقتفاءً … كمَدِّهما إليهم بالهِباتِ
ولما ضاقَ بَطْنُ الأرض عن أن … يَضُمَّ عُلاكَ من بعد المَماتِ
أصاروا الجوَّ قَبْرَكَ واستنابوا … عن الأكْفانِ ثَوْبَ السَّافياتِ
لعُظْمِكَ في النُّفوس تَبيتُ تُرْعى … بحُفَّاظٍ وحُرَّاسٍ ثِقاتِ
وتوقَدُ عندك النِّيرانُ ليلًا … كذلك كنتَ أيَّامَ الحَياةِ
ولم أرَ قبلَ جِذْعِكَ قطُّ جِذْعًا … تَمكَّن من عِناقِ المَكْرُماتِ
رَكِبتَ مَطيَّةً من قبلُ زيدٌ … عَلاها في السِّنينِ الذَّاهِباتِ
وتلك فَضيلةٌ فيها تأسٍّ … تُباعِدُ عنك أسبابَ الدِّناتِ
وكنتَ لمَعْشَرٍ سَعْدًا فلما … مَضيتَ تَفرَّقوا بالمُنْحِساتِ