وفيها خرج رسول الله ﷺ إلى الموسم على ميعاد الأوس والخرج، فلقيه جماعة، فواعدهم العقبة من أوسط أيام التشريق.
قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي بن كعب أخو بني سلمة، أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه، أن أباه كعب بن مالك حدثه، وكان ممن شهد العقبة، وبايع رسول الله ﷺ، قال: خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله ﷺ بالعقبة، فلما فرغنا من الحج، خرجنا لميعاد رسول الله ﷺ ومعنا عبد الله بن عمرو بن حَرَام أبو جابر بن عبد الله، وهو مشرك، وكنا نكاتمه الأمر ومن معنا من المشركين، فقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن يكون حظّنا الجنة وحظك النار فقال: وما ذاك؟ فأخبرناه الخبر وعرضنا عليه الإسلام، فأسلم، وأخبرناه بميعاد رسول الله ﷺ، ولما مضى ثُلُثُ الليل خرجنا من رحالنا نتسلل تسلل القطا مُسْتَخفين، وكان معنا ابن أُبَيٍّ في الرّحال، ولا يعلم بما نحن فيه، وأمَرَهم رسول الله ﷺ أن لا يُنبِّهوا نائمًا ولا ينتظروا غائبًا، فاجتمعوا عند الشعب ليلة النَّفْر الأول أوسط أيام التشريق -وفي رواية: فوافَوْه في الشعب الأيمن إذا انحدرْتَ مِن منى أسفل العقبة حيث المسجد اليوم-، وقد سبقهم رسول الله ﷺ ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو على دين قومه، وإنما أراد أن يستوثق لابن أخيه، فتكلم العباس وقال: يا معاشر الخزرج -وكانت العرب تسمي هذا الحي من الأنصار الخزرج، سواء كان خزرجيًّا أو أوسيًّا-، إن محمدًا ابن أخي، وقد علمتم مكانته منا، وهو مِنَّا حيثُ قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على ديننا أو على مثل رأينا، وهو في عِزٍّ ومَنَعَةٍ في بلده، وقد أَبى إلّا الانقطاع إليكم، واللِّحاقَ بكم، فإن كنتم تَفُون له بما وعدتموه أو دعوتموه إليه، فمانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحمَّلتم له، وإن كنتم خاذلوه بعد الخروج معكم، ومسلموه إلى أعدائه، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده وأهله.