للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الرابعة والخمسون]

فيها عَزَلَ معاويةُ سعيدَ بنَ العاص عن المدينة، واستعملَ عليها مروانَ بنَ الحَكَم، ولم يزل معاوية يَهُمُّ بعزل سعيد لَمَّا كتب به إليه مووان بنُ الحَكَم على شأن دَفْنِ الحسنِ بن عليّ عند رسول الله ، ومعاوية يَعِدُ مروانَ بعزله وتوليته على المدينة، وأقام سعيد واليًا ومعاويةُ يستحي منه أن يعزلَه، وسعيد يعلمُ بذلك، ومروان يكتبُ إلى معاوية (١)، فكان سعيد يلقَى مروانَ ممازحًا له، فيقول له: ما جاءك بعدُ فيما قِبَلنا شيء؟ فيقول مروان: أتظن أني أطلبُ عملَك؟

فلما كان في سنة أربع وخمسين جاءت ولايةُ مروان وعزلُ (٢) سعيد [فلقي سعيدٌ] مروانَ وقال له: قد كان وعدَك حين (٣) توفّي الحسنُ بنُ علي أن يُولِّيَك ويعزلَني، فأقمتُ كما ترى هذه المدة، فقال له مروان: اقْصُر، فقد رأينا منك يوم مات الحسن أمورًا، فَظَننَّا أنَّ صَفْوَك مع القوم. فقال سعيد: لَلْقَومُ أشدُّ لي [تهمةً] وأسوأُ فيَّ رأيًا منهم فيك (٤).

وكان معاوية يُغْرِي بين سعيد بن العاص ومروان، ولا يحبُّ أن يكون ما بينهما صالحًا، فكتب إلى سعيد وهو عاملُه على المدينة أنِ اهْدِم دارَ مروان. فلم يهدمها، وكتبَ إليه ثانيًا وثالثًا، وكتب إليه يأمُره بقبض أموالِ مروان كلِّها، ويجعلها صافيةً، ويقبض فَدَك منه، وكان وهبَها له، فكتب سعيد إلى معاوية: يا أمير المؤمنين، له قرابة قريبة. واستعطفَه لمروان، فجاء جواب معاوية بمثل الكتاب الأول، وأغلظَ لسعيد، فأخذَ الكتابين، فوضعهما عند جارية له.

فكتب معاوية إلى مروان بولاية المدينة، وهدمِ دار سعيد، وقبضِ أمواله. فركبَ مروان ومعه الفَعَلَةُ والمَساحي لهدمِ دار سعيد فقال: تهدم داري؟! فقال: هذا كتابُ


(١) في "تاريخ دمشق" ٧/ ٢٦٦ (مصورة دار البشير، ترجمة سعيد بن العاص): وسعيد يعلم بكتب مروان إلى معاوية.
(٢) في (خ): بعزل: والمثبت من (ب)، والكلام ليس في (م).
(٣) في (ب) و"تاريخ دمشق": حيث.
(٤) الخبر في "تاريخ دمشق" ٧/ ٢٦٥ - ٢٦٦ مطوَّل، وما سلف بين حاصرتين منه.